اخبار السودان لحظة بلحظة

حسين خوجلي أو الكوز “شيلوك”

بقلم : عبد الحميد أحمد

نحو منتصف الثمانينيات من القرن الماضي انقلب الرئيس النميري على الإسلاميين فاضاً بذلك الشراكة السياسية بينه وبينهم وأردف ذلك بتدابير أشد وقعاً ساق على إثرها غالب قيادات الحركة الإسلامية إلى المعتقلات زمراً، لأول فور إجراءاتها القمعيّة تجاه الإسلاميين الذين خرج النميري يصفهم بأنهم “إخوان الشياطين” أوقفت السلطات الأمنية المايوية (ألوان) وصادرت ممتلكاتها بوصفها صحيفة حزبيّة، موصولة بالحركة الإسلامية وناطقة باسمها.

كان (حسين خوجلي محمد حسن) الذي حصل على الإجازة في الفلسفة من الفرع (جامعة القاهرة – فرع الخرطوم) قد أسس بإيعاز من التنظيم صحيفة (ألوان – 1984) لأول تخرجه من الجامعة، في جماعة من شباب الإسلاميين، وإذ بدا جلياً أن الصحيفة تتلقى أشكالاً من الدعم والإسناد من قيادة الحركة الإسلامية وخاصة صف عضويتها الملتزم، تمويلاً وتبرعات نقدية، وإذ مضت (ألوان) تعبر عن توجهات الإسلاميين وتحمل برامجهم ورؤاهم فقد تصوّب إليها كِفلاً مقدراً من عسف الديكتاتورية المايوية لتنقطع من ثمَّ موقوفةً ريثما تعاود الصدور في أعقاب الإنتفاضة الشعبية التي أطاحت بالنظام المايوي في (أبريل 1985)

لكن ومهما بدا أن الساحة السودانية تتطلع إلى ديمقراطية قادمة تلوح بشائرها في الأفق خلال الفترة الإنتقالية فإن (ألوان) لم تجر بها الريح رُخاءً، فما أن عاودت الصدور حتى تجاوز محررها تصديقها الثقافي المحض متوغلاً إلى حيز التناول السياسي، في مخالفة بيّنة استدعت تقويمها من قبل وزير الثقافة الانتقالي، لا سيما وأنها كانت الصوت الوحيد المدافع عن الجبهة القومية الإسلامية قبل أن تقرر الجبهة أن تتخذ لها منبراً صحافياً خاصاً تمثّل في صحيفة (الراية)

إذن فقد عادت (ألوان) بعد تمام توفيق أوضاعها، بقيادة رئيس تحريرها حسين خوجلي، صوتاً صاخباً، تقود حرباً ضارية، مهما بدت لأول مرة أنها ضد أحزاب التجمع التي ابتدرت بدورها حملة شرسة ضد الجبهة الإسلامية تصم قادتها بـ”السدنة” فإن محرر (ألوان) مضى في مناخ الحريات الصحافية الذي وفرته الديمقراطية الناهضة، مستغلاً سماحة عفوها وسعة حلمها، ليعمل أسياخه الحمراء فيها شمالاً ويميناً يمهّد الطريق أمام دبابات الانقلاب العسكري الذي كانت الحركة الإسلامية تعمل له حثيثاً، بليل بهيم.

رغم تعدد ألوانها وكلمة “مستقلة” التي حملتها ترويسة (ألوان) التي عاودت الصدور بأذن خاص في أعقاب إنقلاب الإنقاذ وارتفاع نبرة الأصوات المنادية من داخل الصف الإسلامي الموالي للشيخ الترابي بضرورة إفساح المجال ولو هامشاً ضيّقاً لحرية التعبير والكتابة، إذ ذاك صدرت (ألوان) لا تخفي تأييدها المطلق وحماستها الصاخبة للانقلاب العسكري ومواصلة في ذات الوقت حملتها الشعواء على جملة أحزاب التجمع الوطني التي مثلت معارضة النظام الجديد، وعبر ذات الطابع التحريري الجانح للإثارة والصخب الذي وسم مسيرتها وأدى لأن توصف وبأصوات من داخل ذات الصف الإسلامي: “أن ألوان، ومهما أضحت الجبهة الإسلامية حكومة وبقيّة الأحزاب معارضة، لم تستطع أبداً أن تغادر الإثارة إلى الرصانة، فأضحت بدورها سمة من سمات الإنقاذ الأولى.. عنيفة، دعائية، مؤدلجة..”

إثر المفاصلة التي أوقعها الشيخ الترابي مع سلطة انقلاب الإنقاذ وافتراق الإسلاميين فريق في السلطة وفريق في المعارضة وبتأسيس المؤتمر الشعبي خرجت (ألوان) تدور حول حمى “الشعبي” توشك أن تقع فيه، تحمل كلمتها الرئيسية، بقلم رئيس التحرير، عهود الولاء والمشايعة للشيخ الترابي وصيّة (شهيد) إذ أعلن حسين خوجلي أن شقيقه سلمها إليه وهو “فتىَ يافعاً بدار أحد الوزراء الحاليين باللاماب بحر أبيض” يحضه علي السير بدربه: “عليك بعهدي وألتزم صف الشيخ الترابي فإنه رجل صالح..” ومصوّبة في ذات الوقت سهام النقد أشدها إلى من أسمتهم (الإنقساميين) “الذين يحركون المؤامرات من وراء الستار في ليل الغبش”
لاحقاً وإذ اشتد البلاء بالشيخ الترابي وتنظيمه المعارض ولم تبد في الأفق ثمة بشائر فتح جديد انزوى كثيرون عن نصرة الشيخ حينما بعدت الشقة وتبين أن السفر ليس قاصداً، مهما كان ذلك تنصلاً عن وصايا الأخ (الشهيد) أو إخلاف عهودٍ قطعها على نفسه، تأرجح حسين خوجلي، منذئذٍ، بين منازل الولاء للترابي والركون إلى الحياد تارة وموالاة السلطة رغباً ورهباً، لكنه ومهما قارب من بعد ولوج مساحات الولاء لسلطة الإنقاذ فإن ذلك بدا متأخراً إذ وقر في صدور المجموعة المتنفذة أثراً من حمأة موقفه الأول صبيحة الإنشقاق، لا يرونه إلا مخاتلاً غادراً متى ما تهيأت له الظروف وانقضت جولتهم وأمن صولتهم.

انقطاع الرجاء من عودة دولة الشيخ الترابي دفعت الرجل نحو أواسط العام (2010) إلى التسليم بشروط سلطة الإنقاذيين وإخراج (ألوان) وفق الخط التحريري الذي يرغبون، فسرّح الطيب السرّاجي وجاء بالكرنكي ظالعاً متعثراً ثم أسلم قيادها طائعاً إلى صحافي مائع وضيع لا يستحي أن يقر أمام الصحافيين أنه محض عميل لجهاز أمن النظام ليخرج ألوان كما تشاء السلطة.

منذئذٍ قلبت (ألوان) المجن للشيخ الترابي الذي ظل حسين خوجلي يتمسح بجنابه دهراً فقامت بدفعٍ من الأمن السياسي ترميه بالإفك والزور والاختلاق حتى ضاق به الترابي ذرعاً فاستدعاه إلى مكتبه، فجاء يهرول “بالرجراج يميل ويقالع زي مهراً وحيل” زجره الشيخ زجراً شديداً وأمره أن يكف أذاه عنه، فعاد إلى الصحافيين المهنيين يصرخ فيهم أن ذلك الخبر اللقيط لا يخدم قضية وطنية ولا دينية ويتحاشى أن ينظر في عيني وكيل الأمن الذي يعرف ويتجاهل ولا يقوى عليه.

إذاً فقد غضّت السلطة الطرف عن الرجل فازدهرت أعماله، محطات فضائية وإذاعية، ودور وقصور، وانتهى حسين خوجلي صحافي الإثارة إلى أن صار تاجراً، مستثمراً حذِراً في مجال الإعلام لا تخرج الأشياء عنده جميعها عن حسابات المكاسب المادية والربح والخسارة، لكنه اليوم يضيف إلى كل ذلك خطاباً يستمد مفرداته من معجم القذافى ودفاتر صلاح قوش ويوميات عمر البشير ولا يبالي أن يصف الشرفاء في سبيل الحفاظ على لعاعة سحت أنهم جرذان وشذاذ آفاق.

اترك رد