اخبار السودان لحظة بلحظة

الماراثون الدولي على أرض السودان.. من يكسب؟

عادة ما تحتفي الصحف على طريقتها بالاخبار التي تتحدث عن العلاقات السودانية الامريكية واي تحسن او شائبة تشوبها, وهذا الاحتفاء لا يأتي من فراغ، وانما للثقل السياسي والاقتصادي الذي تمتاز به الولايات المتحدة في العالم عامة وفي المنطقة خاصة, فقد جاء في الاخبار أن الخرطوم تترقب زيارة لوفد امريكي خلال هذا الشهر تأكيداً لاستمرار الحوار بين السودان وواشنطن جندها الأبرز البحث في كيفية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب, ويعتبر المحللون ان رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب يمثل آخر شكل من اشكال العقوبات المتبقية على السودان، وإن تم ذلك من شأنه أن يفتح له ابواباً كثيرة كانت موصدة امامه كإلغاء الديون أو جدولتها، وزيادة الاستثمارات وفتح المجال امام الاستثمارات والتجارة وانتعاش تجارته العالمية والصادر والوارد، هذا من الجانب الاقتصادي، اما من الجانب السياسي فلن تقل اهمية عن تلك، ولن يكون اقلها ضمان حياد الولايات المتحدة لجانب السودان في المحافل الدولية والعالمية والتطبيع الكامل للعلاقات معها، ثم رفع التمثيل الدبلوماسي لمستوى السفير بدلاً من القائم بالاعمال، وكل ذلك بالطبع مقابل تنفيذ المسارات الخمسة التي اشترطتها الولايات المتحدة لنجاح الحوار.

وكانت ثمرة الحوارات الثنائية في السابق بين البلدين رفع الحصار الاقتصادي عن السودان الذي استمر لاكثر من عشرين عاماً، وتبقت اصعب مرحلة من الحوار، وهي ما يسعى لها السودان برفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لكن تظل القضية في إطار التأرجح بناءً على مستجدات السياسة الامريكية او السودانية على السواء.

وتأسياً على الحراك السياسي في المشهد السوداني الحالي، وجه رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الامريكي اليوت انغل في وقت سابق رسالة لوزير الخارجية الامريكي موضحاً فيها ان الاحداث الاخيرة في السودان قد تكون لها تداعيات على المرحلة المقبلة من الحوار، وابدى رئيس لجنة العلاقات الخارجية استغرابه من الموقف الامريكي ازاء ما سماه التدخل العنيف لقوات الامن السودانية، وطلب انغل في رسالته من الخارجية تفاصيل التعاون الامني بين الولايات المتحدة والسودان، وقائمة بالمساعدات الامريكية لدعم الديمقراطية وحقوق الانسان في السودان، اضافة الى استراتيجية واشنطن في ما يتعلق بالنهوض بالديمقراطية وتشجيع انتخابات ذات مصداقية في عام 2020م.

وبالمقابل تقول لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان السوداني إن الفترة الماضية شهدت عدة زيارات من وفود امريكية خاصة من الكونغرس الامريكي، ووقفت على موقف الحريات وحقوق الانسان، اضافة لزياراتهم لولايات دارفور وجنوب كردفان.
وفي الجانب الآخر ونعني به (المعسكر الشرقي) او محور روسيا تشير عدد من المعطيات الى ان السودان شرع فعلياً في فترة من الفترات في تحالفات واتفاقيات جاءت خصماً على الحوار السوداني الامريكي، حيث ان السودان بدأ وكأنه يحاول ان يفتح صفحات وتحالفات اخرى حتى لا يعتمد على الولايات المتحدة وحدها، خاصة أن روسيا ابدت تعاوناً كبيراً مع السودان ووقفت معه كثيراً في المحافل الدولية وشدت من ازره، وان السودان لم يقف مكتوف الايدي حيال ما تقوم به امريكا من تماطل وتأخير لعدة سنوات، وتحاول صرف ما يريده منها بـ (القطارة) وفقاً لمصالحها دون مراعاة لمصالح السودان ومآلات الاوضاع فيه، بوضع اسمه في القائمة السوداء الراعية للارهاب, وقد خطا السودان خطوات جادة وحثيثة في اطار تبديل موقفه وما يبدو جلياً بأنه سيتحول كلية للجانب الشرقي.

وفي هذا السياق تُقرأ الزيارة التاريخية المفاجئة التي قام بها الرئيس البشير في عام 2017م متحدياً بها الولايات المتحدة، بل والسماح لبعض الدول التي لا تطيقها امريكا بوضع قواعد لها في السودان خاصة على ساحله على البحر الاحمر، وهذا ما اعتبره البعض يؤدي لزعزعة الاستقرار في القرن الافريقي الذي يعتبر منطقة نزاع للدول الكبرى ودول الخليج، وكذلك زيارة الرئيس البشير إلى سوريا بطائرة روسية خاصة كما تردد.
وفي خضم ذلك ترددت الأخبار عن وصول وفدين الى السودان متزامنين مع بعضهما البعض وخلال اسبوع واحد، بل احتفت الخارجية بزيارة الوفد الروسي على طريقتها، حيث استبقتها بالقول على لسان احد المصادر بحسب ما جاء في (الإنتباهة) ان العلاقة مع روسيا تشهد تطوراً مهماً، لافتاً الى أنها ظلت تدعم السودان وتسانده في المحافل الدولية، فضلاً عن الزيارات رفيعة المستوى التي تتم بين البلدين، وثمنت الخارجية مشاركتها في انجاح مفاوضات اتفاق سلام إفريقيا الوسطى.

لكن تظل هناك اسئلة كثيرة تحت جسر العلاقات بين السودان واي من البلدين العظميين وعلى اي شاطئ منهما ترسو سفينة العلاقات السودانية، خاصة ان اياً منهما تريد ان يكون لها موطئ قدم في منطقة افريقيا وعلى سواحل البحر الاحمر، والى اي مدى يمكن ان تستغل الدبلوماسية السودانية هذه الزيارات واللقاءات وتستثمرها في الجانب الصحيح، مركزة على المصلحة التي اصبحت المبتغى للعلاقات بين الدول؟
وما يلفت الانتباه في الأمر ان الدولتين قد ارتبطتا بالسودان، اما تهديداً او املاً في تأمين الحماية من هذا التهديد.

وفي هذا السياق يقول وزير الدولة بالخارجية الاسبق نجيب الخير عبد الوهاب لـ (الإنتباهة) ان السودان هذه الايام محط انظار العالم وبؤرة تركيز المراقبين نسبة للتوترات الحالية, اضافة لذلك فلكل من الولايات المتحدة وروسيا ملفات واستحقاقات لم تبلغ بشأنها محطات التوافق والاتفاق، بينما التطورات الجارية في السودان تدفع كل صاحب ملف علاقات مع السودان تجارية كانت او استثمارية او تشاركية، الى تحسس موطئ قدميه والتيقن مما له وما عليه. واشار الخير الى ان العلاقات مع الولايات المتحدة محكومة بقيود كثيرة يصعب تحقيق اختراق فيها، وعلى رأس تلك المعيقات قائمة الارهاب ووضع الطوارئ، الى جانب التزام الولايات المتحدة في مجال حقوق الانسان وملف الامن والسلم الدوليين الذي تعتبره كعضو دائم في مجلس الامن مهدداً لها. اما العلاقات مع روسيا فقد اعتبرها الخير الى حد كبير علاقات تبادل منافع ظرفية يحكمها القليل من الاعتبارات السياسية، بالرغم من التقاطعات السودانية مع حلفاء روسيا في ايران والنظام الحاكم في اليمن.

تقرير : سناء الباقر

الخرطوم (صحيفة الإنتباهة)

 

اترك رد