اخبار السودان اليوم

لينا يعقوب: ماذا لو..؟

في بداية ميدان أبو جنزير وسط الخرطوم، اصطف سبعة أو ثمانية أفراد قرب بعضهم.. بشجاعة وبصوتٍ عالٍ كانوا ينادون على المارة “صرف.. صرف.. صرف”..

أولئك التجار الصغار الذين يعملون في بيع وشراء العملة في السوق الأسود، يعلمون أن طريقتهم غير مشروعة وقد تعرضهم للخطر والمساءلة، ومع ذلك لم يلجأوا إلى الأزقة والشوارع المُظلمة، إنما وقفوا في الشوارع الرئيسية مبتسمين واثقين.

دعكم من التجار، هل فكر أي مواطن بالتبليغ عنهم؟

الإجابة لا.. لأن أولئك التجار، صغارهم وكبارهم “بفكو الحيرة”.. يسهّلون للمواطن أمره ويقضون حاجته بشراء دولارات ودراهم وريالات، أو فكها والحصول على “كاش” بأسهل الطرق.

النظرة المستقبلية البعيدة التي تتحدث عن تدمير الاقتصاد ومخالفة لوائح العمل المصرفي والقيام بتجاوزات مالية ليست ذات صدى كبير عند عامة الناس.

من المهم والملح، أن تعرف الجهات المختصة كيف تخاطب المواطن وتقنعه بسياساتها وإجراءاتها، لا أن تعلن محاربة التجار والسوق الأسود دون أن توفر بديلاً مقنعاً.

حينما بدأت حملة محاربة الفساد تفاعل الناس بمختلف فئاتهم معها، وظنوا أن أولئك “القطط” سرقوا الأموال واختلسوها، وكسبوا عمولات دون وجه حق، لكن فئة مقدرة قللت من الحملة ونتائجها وآثارها، لا لشيء إلا لأن التُهم الموجهة للمتهمين تتعلق بغسل الأموال والدخول في مرابحات، أي أنها وفق مفهومهم لا تتعلق بالسرقة والاختلاس.

لذا فإن محاربة السوق الأسود، لن تنجح بسن قوانين جديدة وتنفيذ عقوبات، فإن لم يتمكن بنك السودان من توفير العُملة الصعبة والسيولة في ذات الوقت، لمختلف الجمهور، سيظل هذا السوق الموازي باقياً، والتعاطف معه موجوداً إلى ما لا نهاية.

أمس أعلن رئيس الوزراء معتز موسى أن ضخ النقود في الصرافات الآلية سيبدأ اعتباراً من السبت المقبل، وهي معلومة خطيرة ومهمة سيتفاعل الناس معها إيجاباً، وبإمكانها أن تكون خطوة أولى في بناء الثقة المنعدمة بين المواطن والجهاز المصرفي لكن إن لم تصدق، سيشعر الناس حينها أن كل الأحاديث والإعلانات التي قيلت هي للاستهلاك السياسي.

أي كلمة تصدر وتقال من جهة رسمية، هي الآن تحت “المجهر”.. التطمينات من المسؤولين والخبراء الاقتصاديين مهمة، لكنها غير ملزمة إن لم تتوفر الثقة الكافية لإعلانها.

Exit mobile version