{ في مقالنا قُبيل إعلان السياسات الاقتصادية الجديدة المنشور بعدد (الخميس) الماضي والموسوم بـ(احذروا القفزة الثانية في الظلام)، طالبنا السيد رئيس الوزراء بالانتظار حتى تؤتي ثلاث عمليات اقتصادية أكلها، وهي: فك ضائقة السيولة في البنوك وتوفير النقد بالجنيه السوداني، انتهاء موسم الحصاد وتسلُّم قسط من رسوم عبور نفط جنوب السودان.
{ غير أن رئيس الحكومة لم يحفل لمخاطبة أحد، ولا نصيحة ناصح، وأصر متحمساً على انطلاقة عمل لجنة تحديد سعر صرف الدولار ما سميت بـ(صُنّاع السوق) اعتباراً من صباح (الأحد) الماضي!!
{ أعلنت اللجنة عن سعر (47.5) جنيه لشراء الدولار و(47.7) لبيعه، ولأنه أعلى من السعر المطروح في اليوم السابق بالسوق الموازية، هرول كل من يملك (مائة دولار) إلى البنوك، عساه يصرفها بالجنيه السوداني، لكنهم- كلهم- وللأسف.. عادوا خائبين.. مصدومين.. مذهولين، فلا باعوا دولارهم للبنوك التي لا تملك (كاش) للشراء،
ولا اشتروا دولاراً من البنوك التي لا تملك دولاراً لتبيعه للراغبين الحالمين!!
{ ولهذا، صدقت تنبؤاتنا، وتحققت رؤانا على أرض الواقع، دون أن تخطئ شولة، فيما اتضح أن رئيس الوزراء ولجنته المكونة من الدكاترة كبار الاقتصاديين والمصرفيين، ومستشاريه المستترين، يحسنون فقط التنظير على الورق، ويجيدون الحديث على المنابر، لكنهم منقطعون عن الواقع، بعيدون من السوق، متعجلون على الصدمة دون تدبّر، فصدموا أنفسهم، وصدموا بنوكهم، ثم صدموا المواطن المصدوم منذ زمن، وذلك بتقديم آليتهم حوافز مجانية للتجار وإشارة خضراء لزيادة السلع الاستهلاكية وهي على أرفف البقالات وبطون المخازن.. دون ذنب جناه المواطن ودون زرع حصده المزارع والتاجر!!
{ أما كان أجدى وأنفع للبلد والشعب أن ينتظر السيد رئيس الوزراء شهراً، بل شهرين، إلى أن يستقر أمر السيولة بالبنوك، وتهدأ ثائرة الناس، ويطمئنوا إلى أن البنوك قادرة على استعادة الثقة بتوفير طلباتهم وحفظ أموالهم، ثم تكتمل عمليات الحصاد، ثم يعلن عن بدء نشاط آلية (صُنّاع السوق) الغريبة العجيبة؟!
{ نعم .. هي غريبة وعجيبة فلا هي مستقلة، لأنها قامت بمنشور من البنك المركزي، والبنك هو الذي يمرّر السعر المعلن إلى البنوك، ولا هي تابعة للبنك لأنها تضم عضوية من خارج النظام المصرفي!!
{ لماذا كل تلك العجلة، وقد تحمّل الشعب أزمة السيولة وأزمة ارتفاع الدولار إلى محطة (الأربعين) شهوراً عددا؟
{ لم يكن هناك من داعٍ.. سيدي رئيس الوزراء.
{ تمهلوا ولا تبطئوا.. خطوة .. خطوة.. فلا داعي للقفز على المراحل.