:: كمن تفاجأ بها، يكتب البعض ويتحدث عن أسعار الأدوية .. من طبيعة الأشياء، عندما يتم رفع سعر الدولار إلى أضعاف ما كان عليه، أن ترتفع أسعار كل الاشياء.. وليس من كمال العقل أن نتفاجأ بارتفاع أسعار الأشياء، بما فيها أسعار الأدوية، بعد رفع سعر الدولار إلى ما يقارب الخمسين جنيهاً .. ليس هناك ما يدهش غير أن الناس تتجرع بعض نتائج سياسة اقتصاد الصدمة، ومنها ألا تكون الأدوية في متناول أيدي الفقراء والمساكين ما لم ترتقي مظلة التأمين الصحي (كماُ وكيفاٌ)، أو ما لم تعيد الحكومة الدعم إلى الأدوية مع توفير النقد الأجنبي ..!!
::علاج الداء أجدى للمريض من تخدير الأعراض، وأصل الداء هو تردي الوضع الاقتصادي ثم تحرير أسعار الأدوية .. نعم هناك أسباب تؤدي إلى إرتفاع أسعار الأدوية، ومنها نهج الاحتكار الراهن ، ولكن اقوى الأسباب هو التدهور الاقتصادي و رفع الدعم عن الأدوية .. فلتعد الحكومة الدعم (أولاُ)، ثم تفتح باب التسجيل أمام الأصناف الدوائية حتى يتضاعف حجم الأصناف الدوائية، بحيث يكون موازياً لحجم التعداد السكاني في بلادنا .. نعم، رغم تسجيل المجلس القومي للأدوية – خلال هذا العام – ما يقارب الخمسمائة صنفاُ، وفي العام السابق (901 صنف)، إلا أن ما ورثه هذا المجلس من ضعف واضح في حجم الأصناف الدوائية المسجلة يعد من أسباب الغلاء، بل يكاد يكون هذا الضعف أخطر من قرار رفع الدعم ..!!
:: فالسودان في قائمة الدول الأقل تسجيلاً للأصناف الدوائية.. ولم يتجاوز عدد الأصناف المسجلة ( 5.000 صنف)، بدولة تجاوز تعدادها السكاني ( 30 مليون نسمة).. علماً بان تونس ذات التعداد السكاني (10 مليون نسمة) سجلت من الأصناف الدوائية ما تقارب ( 10.000 صنف)، بيد أن السودان الذي تعداده السكاني ثلاثة أضعاف سكان تونس لم تتجاوز أصنافه الدوائية نصف حجم الأصناف الدوائية المسجلة بتونس .. وهذه المقارنة – على سبيل المثال – لتأكيد إحتكار الشركات للأصناف الدوائية، وكان المجلس السابق قد ساهم في هذا الاحتكار باجراءات التسجيل ( السلحفائية)..!!
:: وعلى سبيل مثال آخر، إثيوبيا تجاوز فيها حجم الأصناف الدوائية (30.000 صنفاً)، ولذلك تتنافس الأصناف بجودتها وأسعارها لصالح المواطن رغم أنف التحرير ..ولكن هنا – طوال عهد المجلس السابق – فان تسجيل صنف دوائي كان يستغرق زمنا يتراوح ما بين (العام والخمسة أعوام).. ومن المحزن للغاية، وهي من علامات نهج الاحتكار، طوال العام 2016، لم يسجل المجلس السابق غير صنف دوائي واحد فقط لاغير .. تخيًلوا .. صنف دوائي واحد فقط لاغير، طوال ساعات عمل (سنة كاملة)، وهذا لا يحدث إلا في السودان..!!
:: ثم من السياسات الموروثة و المراد بها ترسيخ نهج الاحتكار، سياسة سقف التسجيل للأدوية، بحيث لايتجاوز عدد الأصناف المسجلة لأي دواء (10أصناف).. وقد يكون كل هذا العدد من الأصناف – أو نصفه – بيد وكيل واحد فقط لاغير، وبهذا يكون قد تم تمليك كل أصناف هذا الدواء لهذا الوكيل فقط ، ليفعل في الناس والبلد ما يشاء .. وبالمناسبة، أُم القضايا هي المسمى بالوكيل .. لايوجد تعريف لهذا الوكيل في قانون الأدوية.. وفي كل بلاد الدنيا، لا يوجد وكيل – أو أي وسيط آخر – بين الشركات المصنعة للأدوية والمريض، أي يأتي الدواء من المنتج للمريض (مباشرة).. ولكن هنا، حيث موطن العشوائية، يكاد أن يكون للهواء (سماسرة)..!!