مقدمة :-
لم اعتمد فى كتابة هذه الورقة على مصادر مكتوبه او على رواية او نقل من احد، فقد سردت الاحداث وفق مشاهده مباشرة او مشاركه فى الحدث او متابعه له عند وقوعه. انها شهاده سريعه عن مرحلة من مراحل النضال الوطنى وان كنت ارغب فى توسع ومزيد وتقييم وتقويم فقد لا يكفيه سفر لولا ان المساحه المخصصه لى محددة بعدد معلوم من الكلمات فجاء العرض سريعا ً يكشف ملامح مرحلة اكثر منه توثيقا ً مفصلا ً للحدث.
ان الكتابة عن ثورة اكتوبر 1964 يتطلب فهماً لما سبق من احداث منذ بدايه نهاية الحكم الاستعمارى فى وطننا فقد وقع انقلاب 17 نوفمبر 1958 فى سياق تلك الاحداث، كما ان انطلاق ثورة اكتوبر 1964 كان مرتبطاً بمسيرة الحراك المعارض ضد الانقلاب منذ وقوعه .
تمهيد :
إندلعت الثورة المصرية فى 23 يوليو 1952 برئاسه اللواء ( أ.ح ) محمد نجيب وقيادة البكباشى جمال عبدالناصر وقد كان لها تأثير مباشر على مجريات الاحداث فى السودان، حيث كان المفهوم المصرى يتناول الشأن السودانى باعتباره شاناً مصرياً وان السودان من ممتلكات التاج المصري.
اعلنت الثورة المصرية ان القضية السودانية شأن سوادنى يبت فيها ويحدد مسارها ابناء السودان اما باتحاد مع مصر او باستقلال تام.
استدعت القياده المصرية الجديده قادة القوى السياسية فى السوادان واتفقت معها على ذلك الطرح، ثم بدأت حواراً مع بريطانيا الشريك الاساسى المباشر فى حكم السودان، وتمخض الحوار عن ابرام الاتفاقيه المصرية البريطانية فى 12 فبراير 1953 بعد نحو سته شهور من قيام الثوره المصرية، وحوت الاتفاقية في اهم بنودها :-
1- قيام حكم ذاتى فى السودان واجراء انتخابات تعدديه ديمقراطيه وقيام حكومه وطنيه منتخبه .
2- مهمه الحكومه الوطنيه الاساسيه :-
أ. سودنه الاداره والخدمه العامه والقضاء والقوات النظامية .
ب. اجلاء القوات البريطانيه والمصرية.
ج. انتخاب جمعيه تأسيسية تختار بين الاستقلال والاتحاد مع مصر.
3- تُحكم الفتره بدستور للحكم الذاتى.
وافقت القوى السياسية السوادنيه على تلك الاتفاقيه باستثناء الحزب الشيوعى (والذى وافق عليها لاحقاً)، واُجريت انتخابات عامه عبر لجنة اجنبيه يراسها سوكامارسون الهندي الجنسية، وتم انتخاب مجلس للنواب عدد اعضائه 97 عضواً، فاز فيها الحزب الوطنى الاتحادى برئاسه الزعيم اسماعيل الازهرى بعدد 57 مقعداً وحصل حزب الامه على 22 مقعداً والحزب الشيوعى تحت مسمى الجهه المعادية للاستعمار بمقعد واحد والحزب الجمهوري الاشتراكى على 3 مقاعد وباقى المقاعد لأحزاب جنوبيه وتكتلات اخرى .
وفى يناير 1954 كون الحزب الوطنى الاتحادى منفرداً اول حكومه وطنيه برئاسة اسماعيل الازهري وعضوية وزراء من الحزب الوطني الاتحادي ومن الجنوب، وشكلت الحكومه لجنه للسودنه برئاسة الدكتور عثمان ابو عكر، وانجزت اللجنه مهامها بسودنه جميع المواقع فى الادارة والقوات المسلحه والشرطه والقضاء والخدمه العامه، وشرعت الحكومه فى اجلاء القوات البريطانيه والمصرية واكتمل ذلك فى اغسطس 1955 ولم يبق امام الازهري غير انتخاب الجمعيه التأسيسيه لتقرر الاستقلال او الوحده مع مصر.
لا بد ان اشير هنا الى انه عند اكتمال جلاء القوات الاجنبية من السودان فى اغسطس 1955 وعند محاولة اجراء تنقلات فى الوحدات العسكرية السودانيه من اقليم الى اخر تمردت فى اغسطس 1955 حاميه فى توريت فى الجنوب، وقُتل العديد من المواطنين من الشمال والجنوب، وكان ذلك بدايه التمرد الذي ظل يتصاعد حتى تم انفصال الجنوب وفق اتفاقيه السلام الشامل، وكان التمرد فى الجنوب ومضاعفاته وسياسات انقلاب نوفمبر 1958 سببا ً مباشرا ً لثوره اكتوبر 1964.
سقوط الوحده مع مصر :-
لقد تأسس الحزب الوطنى الاتحادى صاحب الاغلبية المطلقه على اساس الاتحاد مع مصر وان لم يحدد طبيعه ذلك الاتحاد. فقد كان يرى البعض بقيادة السيد محمد نورالدين ان تكون وحده اندماجية ويرى اخرون وهم الغلبه ان تكون وحدة بين كيانين مكتملين على اساس الديمقراطيه التعددية .
ولكن جرت مياه بين مصر والسودان واصابت فى مقتل فكرة الاتحاد لدى الحزب الوطنى الاتحادى منها وليس كلها :-
1- عزل اللواء محمد نجيب والذى كان ينادى بالديمقراطيه التعدديه وينحاز الى مطالب الشعب السودانى فكراً ونسبا حيث انه من اصول سودانيه وعاش وعمل فى السودان.
2- عزل اللواء محمد نجيب واعتقاله كشف عن تباين فى النظام السياسى بين البلدين، حيث يؤمن الحزب الوطنى الاتحادى بالديمقراطيه التعدديه بينما بقيت مصر تحت القبضه الحديده لفكر احادى لا يقبل التعدد السياسى.
3- فى مؤتمر باندونج الذى جمع بين قادة افريقيا واسيا مثل رئيس الوزراء اسماعيل الازهري السودان واعترض الرئيس جمال عبدالناصر باعتبار انه هو من يمثل السودان وان السودان ليس دوله بعد واصر الازهري على تمثيل السودان ورفع علماً ابيض باعتباره العلم المؤقت للسودان . وقبل مؤتمر باندونج تمثيل الازهري للسودان وقد باعد هذا بين حكومه الحزب الوطنى الاتحادى والحكم فى مصر.
4- اعتقل النظام فى مصر السيد خضر حمد السكرتير العام للحزب الوطنى الاتحادى ووزير الرى السودانى عند زيارته لمصر بحجه انه كان يحمل معه قصيده الشاعر السودانى الكبير احمد محمد صالح يمتدح اللواء نجيب وناعياً ابعاده واعتقاله جاء فيها:-
ما كنت غدارا ً ولا خــــــواناً كلا ولم تك يا نجيب جبانا ً
يا صاحب القــلب الكبير تحية من امة اوليتــها الاحــسانا
وقد اثار اعتقال خضر حمد ردوداً غاضبه فى السودان لا سيما فى اوساط الحزب الوطنى الاتحادى الحاكم.
5- الحركة الاستقلاليه فى السودان بقيادة حزب الامه قامت باحتجاج مسلح فى مارس 1954 عند زيارة اللواء محمد نجيب للسودان، قُتل فيه عدد من السودانين من رجال الامن ومفتش شرطه انجليزي مما اضطر نجيب للرجوع فوراً لمصر، وكاد ان يقع انهيار دستوري يبرر للحاكم العام البريطانى تجميد اتفاقيه الحكم الذاتى واقاله الحكومه الوطنيه، وقد عالج الازهري الحدث بالحكمه واجتمع بالامام عبدالرحمن المهدى وحصر الامر فى بعض المشاركين وحكم القضاء على بعضهم بالاعدام واوصى الازهري للحاكم العام بتخفيض الاعدام ثم لاحقا اوصى بالعفو عنهم. ولقد كانت لاحداث مارس الدمويه تاثيرها فى اعادة قراءة الواقع السياسى فاستقر راى قيادة الحزب الوطنى الاتحادى على التخلى عن شعار الاتحاد مع مصر وتفضيل الاستقلال قناعه منهم بذلك وحفاظا ً على وحده الوطن. فطافت بجماهير الحزب فى كل اقاليم السودان وصدر القرار بالانحياز التام لاستقلال السودان وبذلك اجمع الشعب على فكره الاستقلال.
قرار الاستقلال :
راى الزعيم الازهري انه لم يعد ثمه حاجة لانتخاب جمعية تاسيسية لتقرير مصير السودان وانتظار اعلان الاستقلال في سنوات قادمه، فاعلن فجأه وفى جلسه مجلس النواب يوم الخميس الموافق 15 ديسمبر 1955 قراراً تاريخياً مدوياً حيث كان مجلس النواب وفى جلسه عادية يناقش اسئله لبعض النواب فسأل نائب من جنوب السودان رئيس الوزراء الازهري ما اذا كانت حكومته تنوى اقامه قواعد عسكرية اجنبية فى السودان، فنهض الازهرى وقال بصوت ثابت : كلا والف كلا ثم اردف : ان مهمه حكومتى هى السودنه وقد تمت، وجلاء القوات الاجنبيه وقد تم، ولم يبق غير استقلال السودان وسوف اعلنه يوم الاثنين القادم 19 / 12 / 1955 ولا يفوت الجميع المشاركه فى قطف الثمار الدانيه .
هنا ارتبكت الساحه السياسية وتواصلت الاجتماعات صباح مساء حتى تم الاتفاق يوم الاحد 18/12/1955 على صيغه الاقتراح علي استقلال السودان على ان يتقدم به السيد عبدالرحمن دبكه من حزب الامه ويثنيه السيد جمعه سهل من الحزب الوطنى الاتحادى وذلك فى جلسه الاثنين 19 / 12 / 1955، وقد شملت الاجتماعات كل القوى السياسية حيث كان النواب من الجنوب يصرون على تضمين الاقتراح نظاما ً فيدراليا للجنوب، وتوافق الجميع ان نظام الحكم شأن يقررة السودان المستقل ويُبحث ويُقر عند اعداد الدستور لاحقاً، كما اعترض السيد محمد نور الدين الذى كان منحازاً للوحده مع مصر فطُلب منه الغياب عن الجلسه حتى يُجاز الاقتراح بالاجماع وقد تم ذلك.
اعدت الحكومه علم السودان والسلام الجمهوري وطلبت من دولتى الحكم الثنائى بريطانيا ومصر الاعتراف باستقلال السودان، كما تم الاتفاق على اعضاء مجلس السياده فى 26 / 12 / 1955 ليمارسوا مهامهم الدستوريه فى الاول من يناير وهم:-
1- عبد الفتاح المغربي.
2- احمد محمد صالح.
3- احمد محمد يس.
4- محمد عثمان الدرديري.
5- سرسيو ايرو.
فى اليوم الاول من يناير 1956 جاءت موافقه كل من مصر وبريطانيا على قرار الاستقلال، وتلى الازهري القرار على مجلس النواب وخرج جميع اعضاء المجلس ومن خلفهم جماهير الشعب السودانى الى القصر حيث انزل الازهري يعاونه زعيم المعارضه الاستاذ محمد احمد محجوب علم مصر وبريطانيا وسلمهما الازهري لمندوبى البلدين ورفع علم الاستقلال ذا الالوان الثلاثه : الاصفر والاخضر والازرق.
اقاله حكومه الازهري:
بعد الاستقلال خرج النواب من الطائفه الختميه من الحزب الوطنى الاتحادى وكونوا حزب الشعب الديموقراطى برئاسه الشيخ على عبدالرحمن ورعايه السيد على الميرغني وتحالف ذلك الحزب مع حزب الامه، فتكونت اولاً حكومه قوميه برئاسه الازهري لمده شهور وسُحبت منها الثقة فقامت حكومه ما يعرف بحكومه السيدين (المهدى والميرغنى) برئاسه السيد عبدالله خليل سكرتير عام حزب الامه والسيد على عبدالرحمن نائباً له واصبح الازهري زعيما ً للمعارضه.
وعند اجراء الانتخابات العامه فى ابريل 1958 فاز تحالف السيدين بالاغلبيه وان كان قد سقط جل قيادة حزب الشعب الديمقراطى واعيد تكوين الحكومه برئاسة السيد عبدالله خليل.
اشتدت المعارضه بقيادة الازهرى واعترضت على مشروع النقطه الرابعه الامريكى والتى ايدها رئيس الوزراء ونشأت خلافات بين حزب الامه وحزب الشعب الديمقراطى وتنادت قواعد الاتحاديين في الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي باعاده الوحدة بينهم كما لم يكن السيد الصديق المهدى رئيس حزب الامه متوافقا مع السيد عبدالله خليل سكرتير حزب الامه وكان يرى ضروره قيام حكومه برئاسه السيد اسماعيل الازهري بين الحزب الوطنى الاتحادى وحزب الامه .
ولما احكم الطوق على السيد عبدالله خليل سواء من داخل حزب الامه او محاولة اعاده وحده الاتحادين واستبان له انه فى كلا الحالين خارج من السلطه لا محالة استعان بالقائد العام للقوات المسلحه الفريق ابراهيم عبود للقيام بانقلاب عسكري فى 17 نوفمبر 1958 بعد نحو سته شهور من الانتخابات العامه، فقام الانقلاب وتكونت حكومه عسكريه من كبار ضباط القوات المسلحه وشارك اثنان من المدنيين هما الاستاذ احمد خير المحامى الذى اصبح وزيرا للخارجية والاستاذ زياده ارباب المحامى الذى اصبح وزيرا للعدل وبدات مرحله جديده فى اول حكم عسكري فى السودان.
الحكم العسكري نوفمبر 1958 – اكتوبر 1964 :
بعض الناس يمتدحون نظام نوفمبر العسكري ويرون فيه خيرا فهو فى نظرهم لم يعتد على الحريات وكان حكماً يتسم بالرخاء والاستقرار وهذا امر مؤسف حقاً. ان القراءه الموضوعيه الفاحصه تؤكد ان نظام نوفمبر العسكري هو الاسوأ من حيث الطبيعه والتأسيس والنتيجة فهو :-
1- اول نظام يحل الاحزاب السياسيه ويلغى التعدديه.
2- اول نظام يحل كل النقابات .
3- اول نظام يلغي الصحافه ويستبدلها بصحيفه حكومية واحده هى جريده الثورة .
4- اول نظام يؤسس للاعتقال التحفظى وهو اعتقال ادارى يتم دون جريمة او اتهام ولمده غير محدوده .
5- اول نظام يؤسس لقوانين قمعيه حيث اصدر قانون دفاع السودان عام 1958 والذى استنسخته النظم الديكتاتوريه اللاحقه فى قانون امن الدولة المايوى عام 1973 وقانون الامن الوطنى الانقاذى عام 1991 وحتى 2010 .
6- اول نظام ينشئ محاكم عسكريه لمحاكمه المعارضين.
7- اول نظام يحكم بالاعدام وينفذ الاعدام على المعارضين (الشهداء على حامد وعبدالصادق وعبدالبديع ويعقوب كبيده وزملائهم).
8- اول نظام يُتبع الجامعات لراس الدوله والذى يقوم بتعيين مدراء الجامعات حيث عدل قانون الجامعه لسنه 1956 بواسطة الحكومه الانقلابيه في عام 1960 .
9- جعل القضاء تابعاً له وطرد الشرفاء من القضاة وحرمهم من مزاوله مهنه المحاماه بعد طردهم وانتشر فى عهده الفساد الاخلاقى دون عقاب (اقرأ قضية زهراء ادم عمر واخرين المنشورة في المجله القضائيه 1962) .
10- صعد الحرب فى جنوب السودان فقام بحرق القرى وحاول فرض الاسلام قسراً واغراء وتأسست فى عهده حركه انياينا بقيادة جوزيف لاقو .
جاءت الانظمه العسكريه اللاحقه فى مايو 1969 والانقاذ فى 30 يونيو 1989 لتسير على ذات الاسس والنهج ولكن بخطى متسارعه وواسعه، ولعلنا نذكر حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( من سن سنه سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامه ) .
موقف القوى السياسية من الانقلاب :-
عندما اعلن الفريق عبود بيانه فى 17 نوفمبر 1958 سارع كل من السيد على الميرغنى والسيد عبدالرحمن المهدى الى تأييد الانقلاب تاييداً كاملاً وظلا يقدمان له الدعم واستمر السيد عبدالرحمن المهدى داعما للانقلاب حتى توفاه الهم عام 1959، فانتقلت الامامه الى ابنه الامام الصديق الرجل الوطنى الثائر الذى كان معارضاً للانقلاب ولم يكن يستطيع ان يفصح عن ذلك علانيه فى وجود والده الامام .
اما السيد على الميرغنى فقد ظل مؤيداً ومؤازراً للانقلاب وحتى سقوط الانقلاب فى اكتوبر 1964، وقد اصدرت قياده حزبه مذكره شهيره سميت بمذكره كرام المواطنين تهاجم السياسيين الذين رفضوا الانقلاب.
المذكرات ضد الانقلاب:
كان من اوائل المعارضين للانقلاب اتحاد طلاب جامعه الخرطوم والذى ادان الانقلاب ساعه وقوعه، ولاحقاً اعد مذكره سلمها للمجلس الاعلى للقوات المسلحه الحاكم تطالب برجوع الجيش الى ثكناته واعُتقل قادة الاتحاد، وفى عام 1959 وقد كنت رئيساً لاتحاد طلاب جامعه الخرطوم شرع الاتحاد فى تصعيد نضاله ضد الانقلاب، وكان الاتحاد فى تواصل مع الزعيم الازهري والسيد الصديق المهدى قبل ان يصبح اماماً وكلاهما كانا يعارضان الانقلاب، ولما توفى الامام عبدالرحمن المهدى كونت لجنه تأبين برئاسه العميد يوسف بابكر بدرى فاقيم تابين كبير فى جامعه الخليفه بام درمان حضره الامام الجديد الصديق والزعيم الازهري وقادة المجلس الاعلى للقوات المسلحه والذى يمثل راس الدوله والسيد عبدالله خليل وكثير من قادة الراي والفكر، والقى الاستاذ محمد احمد محجوب المحامى قصيده عصماء قال فيها .
يا ابا الصادق الصديق انت لها *بعد الامام ونحن الجحفل اللجب
وكان لى كلمه باسم ونيابه عن اتحاد طلاب جامعه الخرطوم، كانت مكتوبه حسب طلب لجنه التأبين ولكنى عمدا وتدبيرا خرجت عن النص حتى لا اُمنع من الحديث، طلبت فيها من الامام الصديق ان يعلنها صريحه انه ضد الانقلاب العسكري وانه سيعمل من اجل استرداد الديمقراطيه وقد قوبلت الكلمه بالهتاف من جماهير الانصار المحتشدين.
وفى اليوم التالى استدعانى الامام الصديق فقابلنى بالعناق واصفا اياى بابنى الخطيب واخرج ورقه مكتوبه بقلم الرصاص كتبها هو وحده دون مساعدة او استشارة من احد، وكانت خطاباً موجها للمجلس الاعلى للقوات المسلحه تُطالب برجوع الجيش الى ثكناته واعادة الديمقراطية. فهنأته على هذا الموقف الوطنى البطولي واتجهت من عنده وقد قابلنى الدكتور (الأن) ناصر السيد وكان زميلاً لى فى الجامعه وذهبنا سوياً الى منزل الزعيم الازهري واخبرته بما قاله وفعله الامام الصديق وطلبت ان يحذو حذوه والا يفوته هذا الشرف فاكد انه سيفعل بعد التشاور مع قياده حزبه: الاستاذ مبارك زروق والشيخ محمد احمد المرضى واخرين، وقد فعل ذلك وارسل مذكره للمجلس الاعلى للقوات المسلحه الحاكم يطالب برجوع الجيش الى ثكناته واعاده الديمقراطيه .
ومن ثم اصبحت هناك ثلاث جهات هى التى ارسلت مذكرات للمجلس العسكري الحاكم وهى اتحاد طلاب جامعه الخرطوم وحزب الامه والحزب الوطنى الاتحادى. رأينا ضروره ان يجتمع هؤلاء للتنسيق. كيف نجمع الحزب الوطنى الاتحادى وحزب الامه وبينهما ما صنع الحداد منذ الاربعينات ؟ كنت واثقاً من وطنيه هؤلاء الزعماء وانهم يضعون المصلحه الوطنيه فى حدقات العيون .
ذهبت للازهري وقلت له – اختلاقاً – ان الامام الصديق يرغب ان يجتمع به فرحب الازهري وهرولت للامام الصديق وبشرته بان الازهري يرغب فى الاجتماع معه وكنت صادقاً فى ذلك.
رحب الامام الصديق وكان علينا ان نتفق على مكان الاجتماع فذهبت للأزهري وسألته عن مكان الاجتماع فطلب ان يكون فى داره بام درمان لاعتبارات ذكرها، وقلت له مازحاً يا سيادة الرئيس : نحن الاتحاديين ليس لدينا حراب ولا سلاح فاذا داهم النظام العسكرى الاجتماع فلن يجرأوا على اعتقال الامام لقوة وسلاح مجموعته وان وزير الداخليه اللواء احمد عبدالوهاب من اتباعه، واقترحت عليه ان يكون الاجتماع فى منزل الامام الصديق، فوافق الزعيم الازهري، وسعيت للامام الصديق ونقلت له رغبة الزعيم الازهري فعقد الاجتماع عنده، وكان اول لقاء رسمى يتم بين الامام والزعيم بحضوري ممثلاً لاتحاد طلاب جامعه الخرطوم وفى ذلك الاجتماع التاريخى تم الاتفاق علي تأسيس الجبهة الوطنية الاولي وقيام تحالف وطنى نضالى بين الحزب الوطنى الاتحادى وحزب الامه ظل مستمراً فى مستقبل الايام وانتهى دورنا هنا وانضم اخرون الى تلك الجبهه والتى واصلت النضال ضد الانقلاب حتى قيام ثورة اكتوبر 1964.
أحداث ثورة اكتوبر 1964 :
بعض الناس يحسبون ان الثوره – اى ثوره – محصورة فى ابطالها الذين قادوا او شاركوا فى الاحداث المباشرة التى افضت الى انتصارها. هؤلاء كمن يقرأ الفصل الاخير من اى كتاب ويزعمون انهم قد قرأوا كل الكتاب.
ان الاحداث الاخيرة فى اى ثوره او انتفاضه انما هي تتويج وخاتمه لنضالات سابقة متراكمة امتدت عبر سنوات عده مشاها الشعب فى خطوات بطيئه او متسارعه قدمت فيها تضحيات جسام هى الارضيه الصلبه والاساس المتين للتحرك المبارك المفضي الى الانتصار، ومن ثم لا يجوز حصر النضال فى ايام الثورة وحدها فالثورة لا تنشا من فراغ وانما هى انفجار لتراكمات نضاليه عده بدأت عند وقوع الانقلاب وظلت تتصاعد فى مواجهه ممارسات الانقلاب حتى وقوع خطب جلل فينفجر المخزون النضالى فيلتهم الانقلاب ويقضي عليه. وعلي قدر ومقدار المخزون النضالي تكون ضراوة الثورة.
لقد بدا النضال ضد الانقلاب عند وقوعه كما اسلفنا، فالزعيم الازهري رفض الانقلاب فور وقوعه على الرغم من انه كان زعيم المعارضه للحكومه التى اطاح بها الانقلاب، وكان للامام الصديق المهدى دور ريادى فاعل فى مناهضة ومقاومه الانقلاب بعد ان آلت اليه امامه الانصار فواجه النظام فى جساره فاعتدى النظام بالرصاص الحى على الانصار فى ليله مولد الرسول الكريم وهم معلقون على قبة الامام المهدى.
وعلى الرغم من مشاركه بعض القوى السياسية فى انتخابات المجلس المركزى وهو البرلمان المزور الذى ابتدعه الانقلاب الا ان بعضها انحاز للمعارضه واصبح جزءا ً فاعلاً فى الجبهه الوطنيه. لقد حل الانقلاب كل النقابات الا ان بعضها كانت له مواقفه الرافضه للانقلاب لاسيما النقابات المهنيه كنقابه المحامين واساتذه الجامعه ونقابه الاطباء ونقابه المهندسين واتحاد المزارعين وقياده العمال وغيرها، وكانت الحركه الطلابيه – كعهدها دائماً – راس الرمح والمواجهه – فقادت جامعه الخرطوم وجامعه القاهره فرع الخرطوم ندوات ومظاهرات ضد الانقلاب وبلغ الامر مداه عندما اتفقت القيادات السياسيه البارزه على العمل لاسترداد الديموقراطيه فتم اعتقالهم وارسالهم معتقلين الى ناقشوط بالجنوب على راسهم الزعيم الازهري ومبارك زروق وعبدالخالق محجوب واحمد سليمان المحامى والامير نقدالله الاب واخرين ولم يسلم من الاعتقال السيد عبدالله خليل الذى دبر الانقلاب وسلم السلطه له، وفي المقابل تحركت قوى سياسية ضد هؤلاء المناضلين تؤيد اعتقالهم وتدعم السلطه وارسلوا مذكره بذلك تحت اسم مذكره كرام المواطنين.
ويبنما المعارضه يشتد عودها فُجع السودان والمعارضه بوفاه الامام الصديق المهدى عام 1961 فالت الامامه من بعده للامام الهادى المهدى الذى واصل النضال والمواجهه على خطى الامام الصديق واعتقل النظام المئات من المناضلين تحفظاً وامتلأ بهم سجن كوبر الشهير.
وتصاعد العمل العسكري فى جنوب السودان واُحرقت القرى وذُبح الكثيرون وطردت السلطه القساوسه الاجانب وعمل النظام على اسلمه الجنوبين بالاغراء والاكراه، فاحتج الشارع فى الشمال وبدأ ينظم الندوات التى تطالب بالحريه والديمقراطيه باعتبار ان ذلك هو السبيل الوحيد لحل الازمه فى الجنوب والسودان. وقد ابتدر الدكتور حسن عبدالله الترابى الاستاذ بكلية القانون جامعه الخرطوم تلك الندوات وقال بقوه ووضوح انه لا حل لقضية جنوب السودان الا بكفالة الحريات واسترداد الديمقراطيه.
وعقد طلاب جامعه الخرطوم الندوه الثانيه فى مساء الاربعاء 21 اكتوبر 1964 في مجمع داخليات البركس بالحرم الجامعى حول المشكلة فى جنوب السودان التى تفاقمت بسبب سياسه القوه والقهر التى اتبعها نظام عبود العسكري، وتوافد الطلاب من داخلياتهم الى مكان الندوة بين داخليتى القاش وكسلا، وقد رفضت الحكومه عقد الندوه وحاصرت الشرطه حرم الجامعه وسعت لفض الندوة وتبادل الطلاب الحجارة مع الشرطه فاطلقت الشرطه الغاز المسيل للدموع، وتراجع الطلاب الى داخلياتهم وكان من بينهم الطالب احمد القرشى طه وهو طالب فى السنه الاولى اعاده بكليه العلوم وكان يحمل حجراً ويهتف ضد السلطه، فاطلقت الشرطه النار عليه فاخترقت طلقة راسه قرب حاجبه الايمن وخرجت من مؤخره الجمجمه واصيب اخرون من بينهم الطالب عبدالحفيظ الذى استشهد لاحقاً فى 26 / 11 / 1964 .
ونقل جثمان الشهيد القرشى الى مستشفى الخرطوم وقام اطباء المستشفى بحراسه الجثمان حتى لا تستولى عليه الشرطه .
ان مقتل طالب فى حرم الجامعه امر جلل لم يالفه الشعب وما كان له او للقوى السياسية ان تقبله او تسكت عنه فتحرك اساتذه جامعه الخرطوم وكل قطاعات الشعب الحية.
الاتصال بالقيادات السياسيه :
اذكر ان الشهيد الدكتور محمد صالح عمر استاذ الشريعه بجامعه الخرطوم وهو زميل دراسه منذ الوسطى حتى الجامعه كان يسكن جواري فى الثوره بامدرمان فجاء الى منزلى مساء الاربعاء 21/10/1964 وبعد هذه الاحداث مباشرة وأخبرنى بما حدث ولم أكن قد حضرت الندوه.
فتحركنا الى القيادات السياسيه فذهب بعضنا الى الزعيم الازهري فى منزله وذهب البعض الى الامام الهادي المهدي والسيد الصادق المهدى وباقى القيادات الاخرى وتم الاتفاق على ان يذهب الجميع الى مستشفى الخرطوم وطوق الطلاب وجماهير الشعب المستشفى.
وفى صباح يوم الخميس 22 / 10 / 1964 دخل المستشفى الزعيم الازهري والسيد الصادق المهدى وعبدالخالق محجوب وعدد كبير من قادة الرأى والسياسه وتقرر حمل الجثمان الى ميدان عبدالمنعم بالسجانه بمرافقه مولانا عبدالرحمن العاقب قاضى الجنايات مراقباً للمسيرة، وسارت الجماهير الغفيره راجلين من الباب الشمالى لمستشفى الخرطوم عند الحوادث مرورا بكبرى الحرية حتى السجانه وهناك ام السيد الصادق المهدى صلاه الجنازه ورُفع الجثمان داخل لورى لنقله الى قرية القراصه موطن الشهيد.
وقبيل ان يتحرك اللوري فتح التاريخ صفحه جديده ناضرة فقدهتفت الجماهير مطالبه باسقاط النظام، وكان على ظهر اللوري مع الجثمان كل من الدكتور حسن عبدالله الترابى والمرحوم الدكتور حسن عمر المحاضر بكليه القانون جامعه الخرطوم والاستاذ المرحوم بشير الطيب الذى كان يتدرب فى مكتبى، وقال الدكتور الترابى ان اساتذه الجامعه سيتولون الامر ولن يسكتوا على هذه الجريمه النكراء، وهنا هتف الاستاذ بشير الطيب باسقاط النظام والاستمرار فى الثوره وتبعه الدكتور حسن عمر الذى هتف ضد النظام واستجابت الجماهير الهادره وانطلقت الثورة وقُصفت عربات الجيش والشرطه بالحجاره واحرقت بعض عربات الجيش.
هذه وقائع شاهدتها بنفسى اشهد بها للتاريخ:
وبدأ عندئذ الفصل الاخير لثورة اكتوبر 1964 وسارت الامور على النحو التالى :-
1- تواصلت المظاهرات فى احياء العاصمه فى نفس يوم الخميس 22 / 1 / 1964 وتواصلت يوم الجمعه 23 / 10 / 1964 وانتشرت فى مدنى وعطبره وكسلا وبورتسودان وغيرها من المدن وواصلت النقابات المهنيه اجتماعاتها واتفقت فى مساء 23 اكتوبر على اعداد مذكره ترفع للفريق عبود.
2- فى صباح السبت 24 / 10 / 1964 التقى المحامون بقيادة الاستاذ عابدين اسماعيل نقيب المحامين فى المحكمه العليا ومعهم عدد من القضاه يتقدمهم مولانا عبدالمجيد امام ومولانا بابكر عوض الله وعدد من اساتذه الجامعه يتقدمهم الدكتور محمد عبدالله نور وعدد من الاطباء يتقدمهم الدكتور طه بعشر واخرون، وكان الجميع يهتفون باسقاط النظام، واحاطت الشرطه بمبنى المحكمه العليا ومنعت الجماهير من الذهاب للقصر الجمهوري لتسليم المذكره، فانتدب الحضور الاستاذ عابدين اسماعيل نقيب المحامين ومولانا عبدالمجيد امام قاضى المحكمه العليا لتقديم المذكره للقصر الجمهوري والجميع فى انتظار عودتهما يهتفون، وعادا وقد تركا المذكره فى القصر ولم تُسلم لرئيس المجلس العسكرى.
3- طالبت الجماهير بالهتاف الداوى باعلان الاضراب السياسى والعصيان المدنى فورا فاعلن ذلك الاستاذ عابدين اسماعيل نقيب المحامين وهتفت الجماهير مؤيده وملتزمه .
4- اطلقت الشرطه الغاز المسيل للدموع داخل المحكمه العليا وفنائها وكانت بقياده المقدم وقتها قرشي فارس، فخرج اليه مولانا عبدالمجيد امام وامره باعتباره قاضى محكمه عليا ومشرف على الخرطوم بالانصراف الفوري فاستجاب المقدم قرشى فارس وانسحب مع قوته، فرفع ذلك من روح وصمود الشعب وبدات الثوره تتخذ منحى جديداً.
5- اعتقل النظام – وفي بيان – اذاعته الحكومه عبر الاذاعه – مولانا عبدالمجيد امام فى منزله وتصاعدت المظاهرات فى كل احياء العاصمه وفى جل مدن السودان لتصبح ثوره كامله شامله تهدف الى اسقاط النظام .
6- وفى نفس اليوم اعلن وزير الداخليه محمد احمد عروة حظر التجوال مهدداً باطلاق النار على من يخالف الاوامر وقد سخر المواطنون من الحظر ولم يلتزموا به .
7- فى يوم الاحد 25 / 10 / 1964 اجتمعت احزاب الوطنى الاتحادى والامه والاخوان المسلمون والشيوعيون واجازو القرار الصادر بالامس فى المحكمه العليا بالاضراب السياسى والعصيان المدنى وتواصلت المظاهرات بمشاركه الجميع وبدات البيانات المؤيده تترى من العاملين فى كل الوزارات والمصالح.
8- فى يوم الاثنين 26 / 10 / 1964 بدا انقسام واضح داخل القوات المسلحه يقوده بعض الضباط الذين اعلنو انحيازهم للثوره وقد كان فى مقدمه هؤلاء العميد الباقر والعميد مزمل غندور واخرين .
9- وفى نفس يوم الاثنين 26 / 10 / 1964 توجه عدد كبير من المواطنين الذين كانوا يجتمعون فى نادى اساتذه جامعه الخرطوم فى مظاهره نحو القصر تردد (الى القصر حتى النصر) وتصدي لهم عدد من الجنود الذين كانوا يحرسون القصر واطلقوا النار ظناً منهم ان المتظاهرين سيقتحمون القصر فكانت مجزرة سقط على اثرها نحو ثلاثين شهيداً وجرح عدد من الموطنين اذكر منهم الاستاذه محاسن عبدالعال وقد كنت اقود عربتى ومعى الاستاذ ميرغنى النصرى المحامى لالتقاط وانقاذ المصابين ونقلهم للمستشفى وقد اختلطت دماؤهم بملابسى وقد اخذت المناضله محاسن عبدالعال والتى كانت تنزف دما وربطنا جرحها بعمه واوصلناها المستشفى لنعود لاسعاف الاخرين. .
10- وفى نفس مساء الاثنين 26 / 10 / 1964 اعلن الفريق عبود حل المجلس الاعلى للقوات المسلحه وحل المجلس المركزى بضغط من ضباط فى القوات المسلحه وخرجت فى الحال كل جماهير الشعب رجالا ونساء فرحه منتشيه منتصره وتسلق المواطنون الدبابات يهتفون واذكر ان الاخ المرحوم الاستاذ بابكر كرار وقد كان فارع الطول قد رفعنى على احدى الدبابات للهتاف فرحا ً وقد خرج من السجن الاستاذ احمد سليمان المحامى وتسلق دبابه اخرى وهو يهتف فرحا ً بانتصار الشعب .
11- دخلت الاذاعه والتلفيزيون فى الاضراب السياسى والعصيان المدني واذاعه بيان على الهواء ضد النظام .
12- بدأت النقابات تكون جبهه للهيئات واتخذت من نادى اساتذه جامعه الخرطوم مقرا لها تتقدمهم نقابه المحامين واساتذه الجامعه والاطباء والمهندسين واتحاد العمال والمزارعين وغيرهم وكانوا فى بعض الاحيان يجتمعون فى منزل الدكتور احمد الامين عبدالرحمن بامد رمان وفى الجانب الاخر كانت القوى السياسيه التى تعمل تحت الجبهه الوطنيه تواصل اجتماعاتها فى قبة المهدى.
13- دعا الفريق عبود القوى السياسيه للقاء حول المخرج بعد حل المجلس الاعلى للقوات المسلحه والمجلس المركزى وحول اللقاء الى القياده العامه للقوات المسلحة بالخرطوم وهنا نشا خلاف بين القوى السياسية التى تعمل تحت الجهه الوطنيه وجبهة الهيئات وحسم الخلاف باتفاق ان يعمل الفريقان تحت مسمى الجبهة القومية المتحده وتواصلت الاجتماعات فى القياده العامه .
14- يوم الخميس 29 / 10 / 1964 اتفقت القوات المسلحه والجهه القوميه المتحده على ما يلى :-
أ. اعاده العمل بدستور 1956 مع تعديلات ليكون دستور 1964.
ب. تشكيل حكومه انتقاليه مدتها سته شهور برئاسة سر الختم الخليفه وهو معلم سابق تشمل 8 وزراء من جبهه الهيئات ووزير من كل من الحزب الوطنى الاتحادى وحزب الامه وحزب الشعب الديموقراطى والحزب الشيوعي وحزب الاخوان المسلمون مع وزيرين من الجنوب.
ج. بقاء الفريق عبود رئيساً للدوله .
د. العفو عن قاده الانقلاب .
15- فى يوم الجمعه 30 / 10 / 1964 اُعلن الاتفاق وتشكيل الحكومه واُعلن انتصار الثوره .
16- فى 15 / 11 / 1964 وبعد نحو اسبوعين من تشكيل الحكومه تواترت انباء على ان اعضاء المجلس العسكري السابقين بقياده اللواء حسن بشير نصر وبغطاء من راس الدوله الفريق عبود يزمعون القيام بانقلاب عسكري واجهاض الثوره فخرج الشعب جله فى مظاهرات عارمه ووضعت المتاريس من حجارة وعربات فى الشوارع منعا لتحرك الدبابات والمجنزرات والعربات من التحرك وسميت تلك الليله بليله المتاريس وخرج الشارع يهتف ضد العسكر وقد كان للاخ الاستاذ فاروق ابو عيسى الدور القيادى للاعداد لتلك الملحمه وقد كذبت القوات المسلحه تلك المزاعم ولكن الشعب قرر ابعاد الفريق عبود من رئاسه الدوله فاجبر على الاستقاله وتولى مؤقتا رئيس الوزاراء سر الختم خليفه رئاسة الدوله بجانب رئاسه الوزراء لحين اختيار مجلس سيادة.
17- عُدل الدستور 1964 لاختيار مجلس سياده من خمسه اشخاص تدور الرئاسه بينهم شهرياً وحتى انتخابات الجمعيه التأسيسية وفى 3 / 12 / 1964 كُون مجلس السياده من:
1- الدكتور التيجانى الماحى
2- الدكتور مبارك الفاضل شداد.
3- دكتور عبدالحليم محمد.
4- ابراهيم يوسف سليمان.
5- لويجي ادوك.
18- خرجت مظاهرات مدعومه من جبهة الهيئات وجل وزارائها من قوى يساريه وهى تسيطر على الحكومه تنادى الا زعامه للقدامى وتهدف الى اقصاء قيادات الاحزاب الكبيرة مما دفع الازهري والامام الهادى للاتفاق مع مجلس السياده لكي يطلب من رئيس الوزراء سر الختم الخليفه تقديم استقالته لمجلس السياده ثم يعيد مجلس السياده تكليفه لتشكيل حكومه جديده تخلو من جبهة الهيئات وقد كان كذلك حيث اصبح لكل من الحزب الوطني الاتحادى وحزب الامه وحزب الشعب الديمقراطى ثلاثه وزاراء والحزب الشيوعى وجبهة الميثاق الاسلامى (والتى حلت رسمياً محل الاخوان المسلمون) وزير واحد وللجنوب وزيران واستمرت هذه الحكومه حتى انتهاء الفتره الانتقاليه فى ابريل 1965 واجراء انتخابات عامه فاصبح الازهري رئيسا دائما لمجلس السيادة وعضوية خضر محمد من الحزب الوطنى الاتحادى وداؤود الخليفه عبدالله وعبدالرحمن عبدون من حزب الامه وفيلمون ماجوك من الجنوب كما اصبح محمد احمد المحجوب رئيسا للوزراء .
الخاتمه:
لعله من نافله القول وانا اختم هذا العرض ان اؤكد :
1- ان دستور 1965 وكذلك 1964 المعدل ينصان على ان عدد الوزراء يجب ان لا يقل عن 10 وان لا يزيد عن 15 وزيرا منهم وزيران على الاقل من المديريات الجنوبيه ( الماده 24 من الدستور ).
2- ان مرتب كل من اعضاء مجلس السياده 2200 جنيه فى السنه اى حوالى 184 جنيه فى الشهر والجنيه هو الجنيه القديم ( الماده 20 من الدستور ) ومرتب الوزير اقل من عضو مجلس السياده.
هذه المرتبات لم يحددها قانون بل نُص عليها فى الدستور ولا يجوز زيادتها الا بتعديل دستوري يجيزه ثلثاء اعضاء البرلمان.
رحم الله زعماءنا
على محمود حسنين
المحامى