لقد بداء القلق والرعب يدب في أوصال قوي السودان القديم ، ويبدو أن هذه القوي قد استشعرت الخطر القادم لا محال ، وايضا يبدو أن هذه القوي غير مصدقه لما تراه أمام أعينها من حشود الشباب الثائرة تملؤه الأفق علي امتداد الوطن ، مزلزلا الأرض تحت أقدام الاسلامعروبين ، المشوهون فكريا واخلاقيا ، تجار كل شئ حتى فيما أنزله رب الارض و السماء . يجب علي كل ثائر يريد تغير حقيقي ان يرسل إشارات تحذير واضحة لكل من يحاول عرقلة و إعاقة مسيرة الثورة بغض النظر عن النوايا وحسن الظن والادعاء بانتمائه لفجر البسطاء ، فلا مكان اليوم لمن لا يؤمن بأن الشعوب قد حسمت امرها ولا ارتداد من بعد اليوم للوراء. وانه لا رجعة لما اورثنا الفرقة و الشتات والذل والمهانة و مرارة المعاناة من أجل المعيشة لنظل قيد الحياة .
هنا أدرك البعض أن زمانهم و حلمهم بإعادة الوضع لمراميه القديمة قد ولى وأصبح هدفا يصعب تحقيقه بالسهولة التي كانوا معتادين عليها فيلزمهم التحرك والاستعجال لتدارك الوقت المتسرب بين أيديهم، لإيقاف عجلة التاريخ من الدوران ، ليتسنى لهم ترتيب أوضاعهم ، ورسم خططهم من جديد ، لمعاودة ارجاع عجلة التاريخ للوراء ، ونسج خيوط المؤامرة من سدى التحول الديمقراطي والإصلاح المغدور بهم زورا وبهتانا وما يسمي بمجموعات وطنية وأخري أكاديمية، ومبادرات كيدية، والتباكي علي أمن وسلامة البلد ،والتحذير من العواقب الوخيمة وعدم وجود قيادة للثورة و.و..و . مستخدمين ذات الأدوات والمعاول التي لم يفلح بها النظام في إيقاف المد الثوري المنحدر كسيل العرم، كاسحا كل المتاريس والعوائق في طريقة راسخا متمهلا و اثقا من بلوغه مبتغاه . متحديا بلا وجل ، عاري الصدر حاسر اليدين يهتف بصوت جهور مطرب مجلجل لعنان السماء ، معلنا عن بزوغ فجر الحرية و العزة و الكرامة و الاخاء . ممزقا كل حقب الظلام قاذفا بها خارج دائرة التاريخ والفعل . وبذلك أثار حفيظة القوي القديمة وجن جنونها ، تركض يمنة ويسرة ، تارة تبدل جلدها وتارة اخري تغير لونها ، وكل هذا لن يجديها نفعا ، فقطار الثورة قد ضبط ساعته و ارتحل ، و لن يتوقف إلا في محطته الرئيسة (الوطن الواحد الموحد الذي يسع الجميع) قولا وفعلا . لا مكان فيه لاعوان السلفية الدينية السياسية و أعوان الطائفية الارزقية ، بلد حر وشعوب حره . لا كما حريتهم التي تذوقنا طعمها الحنظل سبعين عاما من الحروب و الشتات و الظلم وضنك العيش ، والموت المجاني.
حان الأوان ان يصدق اهل المعبد القديم ، أن الدنيا قد تغيرت والمفاهيم قد تبدلت ولم يصبح الحال بعد الحال في سودان ما بعد ثورة الشباب المنتصرة حتما، ولا مساومة ولا تفاوض احملوا بضاعتكم المزورة المسمومة وارحلوا بها غير مأسوف عليكم فأسواقنا مكتظة بإنتاجنا المحلي، و أن قنعتم بما قنعنا به (و ختيتم الكورة واطة) فمرحبا بكم في وطن يسع الجميع لا علي نهجكم بل علي نهجها وطن جديد فيه كلنا سواسية ، نضع أسسه وقواعده و بنيته سواء ونتداول في حكمه سواء (لا مريس ولا متيس) وطن بنحلم بيهو يوماتي وطن شامخ وطن عاتي .
نعلم جيدا بأنكم لا تختلفون كثيرا عن نظام المؤتمر الوطني/ نظام الجبهة القومية الاسلامية وحلفائها ، لذلك لا نتوقع منكم الاستسلام بسهولة و ندرك قدراتكم وامكانياكم ، ودسائسكم والاعيبكم ، وتقول لكم يا دعاة الماضي البغيض في ثوب مزركش جديد ، فاض الكيل ورجح الميزان ، فوفروا جهودكم و طاقاتكم فلم تعد ذات نفع وفعالية ، مهما تذاكيتم و تفالحتم ، (فالمقدور وقع وما ينفع الجقليب) . ونعلن لكم من هنا وبصريح العبارة لن يرجع السودان بعد الآن لما تتمنونه وتعملون له ، وأن استمرت هذه الثورة عشرين عاما . السودان القديم أصبح حلم في مخيلتكم فقط ، و حل محله سودان جديد ،مولود شرعي لا متوارث من صنيعة الاستعمار والاستبداد .