shurkiano@yahoo.co.uk
المهدي والترابي.. إنَّ الذي بينهما وداً
مهما يكن من شيء، فلعلَّ الصَّادق كان قد أخفق باكراً في قراءة نوازع الدكتور الترابي؛ ذلكم الشاب الباريسي العائد توَّاً من فرنسا، وهو الذي كان قد تبوَّأ مكاناً مرموقاً في هيئة التدريس بجامعة الخرطوم، وذلك حين أتى إلى آل المهدي متصاهراً متظاهراً طالباً يد ابنتهم للاقتران بها. ففي حوار صحافي طويل مع الصَّادق المهدي في صحيفة “الشرق الأوسط”، والذي أجرته معه الصحافيَّة هدى الحسيني، سألته الصحافيَّة: “هل يزعجك أو يحزنك أنَّك قريبه (الترابي)، وأنَّك خال أبنائه؟” تُرى ماذا كان رد الصَّادق. قال الصَّادق: “أنا كانت فكرتي باختصار شديد، أنَّ الدكتور الترابي شخص عالم وواضح، وأنَّه من حقنا أن نوسع قاعدة الإسلام العصري الشَّعبي ضد التعصُّب. هذا كان (هو) الحافز الحقيقي، وكنت أرى الترابي شخصيَّة متَّزنة وطموحة وذات ذهن متفتح، لكن الدكتور حسن الترابي حصلت له تحوُّلات في شخصيَّته، إذ تخلَّى عن شخصيَّته الأصليَّة، ونسخ شخصيَّة بديلة مختلفة، عندها بدأ الخلاف بيننا، لا سيما عندما بدأ يبايع النميري كل فترة للوصول إلى أهدافه، ثمَّ إنَّه ومجموعته التي شجَّعت نميري على فرض الشريعة الإسلاميَّة بالمفهوم الذي رأته مناسباً، فكَّروا في القيام بانقلاب، وعرضوا عليَّ الأمر لمشاركتهم للاستيلاء على السُّلطة فرفضت واختلفنا، ثمَّ وقع له (الترابي) تغيير آخر في شخصيَّته، وصار يدَّعي أنَّه آتٍ بما لم يستطعه الآخرون، فاختلفنا وتباعدنا أكثر؟”(29)
لا مُراء في أنَّ الدكتور الترابي كان منذ المبتدأ قد فكَّر مليَّاً وقدَّر تقديراً في هذا الزواج بآل المهدي لدواعي سياسيَّة بحتة، ثمَّ إنَّه كان قد خطَّط لهذا الأمر بدقة متناهية. غير أنَّ الصَّادق الذي زعم “أنَّه من حقنا أن نوسع قاعدة الإسلام العصري الشَّعبي ضد التعصُّب”، فها نحن نقول له: ومتي كان هناك إسلام متعصِّب عند أهل السُّودان في الخمسينيَّات أو الستينيَّات! بل لقد جاء الإسلام المتزمِّت على يد الدكتور الترابي وجماعته في الحركة الإسلاميَّة السُّودانيَّة، وبدلاً أن يجذبهم الصَّادق إلى إسلامه “العصري الشَّعبي” أو “الشَّعبي الدِّيمقراطي” كما ذكر في موضع آخر، اجتذبوه إلى ملَّتهم المتطرِّفة ومال إليهم في أشد ما يكون الميل، وفي أكثر من موقف، ثمَّ بات يتقرَّب إليهم زلفى، كما أبنا سلفاً وسنزيد بعد حين. هذا ما كان من أمر الصَّادق المهدي الذي ارتأى “في هذا الزواج فرصة لتوثيق الصِّلة بين كيان الأنصار وبين الحركة الإسلاميَّة الحديثة، وكلاهما يمثِّل رافداً في التيَّار الإسلامي في السُّودان.”(30)
ثمَّ ندلف إلى الإقرار، والذي هو الأخطر من نوعه، حين اعترف الصَّادق “أنَّهم (أي الترابي ومجموعته) فكَّروا في القيام بانقلاب، وعرضوا عليَّ لمشاركتهم للاستيلاء على السُّلطة فرفضت واختلفنا.” إذ لم يحططنا الصَّادق علماً متى كان هذا العرض “الترابي” للقيام بانقلاب عسكري؟ أهو كان إبَّان وجودهم في النِّظام المايوي بعد المصالحة الوطنيَّة العام 1977م، أم أثناء حكومة الصَّادق نفسه (1986-1989م)؟ ولكن من سياق الحديث، ومن اعترافات الترابي في برنامج شاهد على العصر مع الصحافي أحمد منصور في قناة الجزيرة التلفيزونيَّة، تأكَّد بلا ريب أنَّ جماعة الترابي إيَّاها كانت قد قرَّرت الاستيلاء على السُّلطة في السُّودان منذ السبعينيَّات من القرن المنقضي وشرعوا في إعداد العدة له.
وفي حيثيات مسيرة الانقلابات العسكريَّة في السُّودان نستحضر هنا هذه الواقعة. إذ جاء الرَّاحل الفريق فتحي أحمد علي يسعى إلى رئيس الحركة الشعبيَّة والجيش الشَّعبي لتحرير السُّودان الدكتور جون قرنق دي مبيور، واستشاره بأنَّه يود القيام بانقلاب عسكري في الخرطوم، وهل ستُقبل الحركة الشعبيَّة على تأييده؟ فما كان من الدكتور قرنق إلا أن تبسَّم ضاحكاً وقال له: “إنَّ القيام بانقلاب عسكري كمثل الزواج، فمن عقد العزم على الزواج بامرأة لا يشاور أحداً!” وكان الدكتور قرنق صاحب طرفة وتفكه شديدين، وكان يرسلهما في شكل حكم مأثورة.
مهما يكن من شيء، فأما عن مدى علم الصَّادق بانقلاب الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة بقيادة العميد حينئذٍ عمر حسن أحمد البشير، وتهاونه في عدم القيام بإجراءات تنفيذيَّة وقضائيَّة لوأدها في المهد، أو غير ذلك، فقد قيل في هذا الأمر الكثير المثير. فهناك المقالات الصحافيَّة التي كتبها الرَّاحل أحمد سليمان المحامي في صحيفة “خرطوميَّة”، وهو الشُّيوعي السَّابق الذي هجر الشُّيوعيَّة هجراً مليَّاً وانضمَّ إلى الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة في فترة الدِّيمقراطيَّة الثالثة (1985-1989م)، وبات من كبار رموزها ومستشاريها؛ ثم هناك الوثائق التي أذاعها في النَّاس السيِّد (الدكتور حاليَّاً) إدريس البنا، وهو كان قطباً من أقطاب حزب الأمة، ثمَّ كان ممثلاً للحزب في مجلس السِّيادة في الفترة ما بين (1986-1989م). فقد أورد الدكتور البنا، وهو الذي هجر حزب الأمة هجراً مليَّاً وانضمَّ إلى حركة اللِّجان الثوريَّة ذات المنبت اللِّيبي، وذلك بعد أن تجاهله الحزب إبَّان سجنه في قضايا الفساد بواسطة حكومة “الإنقاذ”، أورد وثائق دامغة تفضح استهوان رئيس الوزراء السيِّد الصَّادق المهدي بالمعلومات الهامة، والخطيرة في الآن نفسه، التي حملها إليه على عجلٍ من أمره، ولم يعرها الصَّادق انتباهاً، ثمَّ لم يبد أيَّة مسؤوليَّة تجاهها. وقد تحدَّثت مصادر حزب الأمة حزب الصَّادق ذاته عن تستُّره على انقلاب الجبهة، ومنهم المسؤول الأمني في الحزب صلاح عبد السَّلام الخليفة وكان وقتها وزيراً برئاسة مجلس الوزراء، ومبارك الفاضل المهدي الذي كان هو الآخر وزير الدَّاخليَّة.
فقد قيل إنَّ المرحوم الدكتور خالد الكد كان قد ذهب إلى الصَّادق المهدي في منزله بود نوباوي، وذلك قبل شهرين تقريباً من انقلاب الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة، وأخبره بأنَّ الجبهة تعد العدَّة للقيام بانقلاب عسكري للإطاحة بحكمه، ثمَّ سلَّمه قائمة بأسماء مجلس قيادة الانقلاب، وكان العميد عمر حسن أحمد البشير على رأس القائمة، واستلم الصَّادق القائمة، ولم يعلِّق عليها، ثم لم يفعل شيئاً. كذلك ذكر الدكتور منصور خالد في كتابه “النُّخبة السُّودانيَّة وإدمان الفشل – الجزء الثَّاني” أنَّ الفريق الهادي بشرى، وهو أنصاري الهوى، كان رئيساً لجهاز الأمن القومي في ذلك الحين من الزمان، وكان أن تقدَّم بتقرير أمني من الاستخبارات العسكريَّة بنيَّة الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة بعمل عسكري لقلب نظام الحكم، وقدَّم التقرير للصَّادق المهدي بصفته رئيس الوزراء، وكان تعليق الصَّادق على التقرير وبخط يده “متى يعلم هؤلاء أنَّ الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة ضد الخيار الدِّيمقراطي”.(31)
كما أنَّ مجلَّة “الدستور”، التي كان يصدرها حزب البعث العربي الاشتراكي، كانت قد نشرت في إحدى أعدادها خبراً عن انتواء الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة القيام بانقلاب عسكري بقيادة الضابط عمر حسن أحمد البشير. وقد ورد نصَّاً في المجلَّة إيَّاها ما يلي: “تؤكِّد “الدستور” أنَّ العقيد عمر حسن (أحمد البشير) مسؤول المخابرات بسلاح المظلَّات بالخرطوم بحري هو أحد العناصر النَّشطة في تنظيم جماعة الترابي، وأنَّه بالتعاون مع ضبَّاط آخرين في الاستخبارات العسكريَّة من بقايا مايو يعدُّون العدة للقيام بانقلاب عسكري.” وفي خطوة ذكيَّة قام العقيد عمر البشير بفتح بلاغ ضد المجلَّة تحت تهمة الكذب وإشانة السمعة، وكسب البشير القضيَّة.
هذا فقط قبس من بعض الإشارات والدلالات التي تثبت علم الصَّادق المهدي بانقلاب الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة، ولئن لم يكن مطواطئاً معهم، إلا أنَّه لم يفعل شيئاً لإيقافهم، وهو الذي كان متربِّعاً على رأس السلطة التنفيذيَّة وبصفته القائد الأعلى للقوات المسلَّحة السُّودانيَّة. بيد أنَّ تأريخ حزب الأمة في تسليم رئيس الوزراء الأسبق عبد الله بك خليل عن حزب الأمة السلطة إلى الفريق إبراهيم عبود في 17 تشرين الثَّاني (نوفمبر) 1958م، وما توصَّلت إليه لجان التحقيق في انقلاب العقيد جعفر محمد نميري بضلوع الصَّادق في الانقلاب في يوم 25 أيار (مايو) 1969م يشي بتساؤلات مستريبة عما كان يعرف الصَّادق عن انقلاب الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة في 30 حزيران (يونيز) 1989م، وعن حقيقة تشبُّث الصَّادق بالدِّيمقراطيَّة مبداً وتطبيقاً وصوناً! أما إذا كان لدي الصَّادق أيَّة تبريرات أخرى تجاه ما جرى من الأحداث قبيل انقلاب جماعة “الإنقاذ” فحديثه سوف لا يرقى إلى شيء غير أن يكون مجرَّد مسرحيَّة سيئة الإنتاج والإخراج. ولعمري أي رئيس وزراء هذا الذي بات يمهر الوثائق باسمه بصفة رئيس وزراء منتخب، وأمسى يتدثَّر بالدِّيمقراطيَّة، ولكنه لم يحرَّك ساكناً حين كان القوم الجبهجيُّون يأتمرون يريدون خلعه من حكومته، وتجريده من سلطاته! وها هو اليوم يتباكي على حكم لم يحافظ عليه، ولم يصونه حين كان له القدرة والمقدرة على ذلك.
ففي خطاب كتبه الصَّادق المهدي بخط يده ووجَّهه إلى هيئة القيادة في التجمع الوطني الدِّيمقراطي بتأريخ 18 أذار (مارس) 1997م لفت نظرنا وأشار اهتمامنا إقرار الصَّادق ب”أنَّ النُّظم الدِّيمقراطيَّة عانت من أزمة سلطة فأُطيح بها (…) هذا الموقف يعني أنَّ للجمعيَّة التأسيسيَّة التي حلَّها النِّظام شرعيَّة. نعم لأسباب سياسيَّة رأيناها لا نريد أن نعود بالبلاد للأوضاع كما كانت قبل انقلاب 30 حزيران (يونيو) 1989م، لأنَّ فيها خللاً أدَّى للانقلاب.” غير أنَّ الصَّادق لم يذكر لنا أوجه الخطل والخلل الذي أصاب تلكم التجربة الدِّيمقراطيَّة الثالثة (1985-1989م)، ثمَّ لم يذكر الصَّادق أيضاً المسؤولين عن هذه الأخطاء. فلا مُراء في أنَّ الصَّادق كان يدري بأنَّ الحديث عن أخطاء ذلكم العهد الدِّيِمقراطي باستكثار وتزيُّد سيكون بمثابة مجالدة الذات (self-flagelation)، حيث تؤول إليه الأمور في نهاية الأمر، أي كما يقول الأميريكيُّون (The buck stops here). أجل، فالصَّادق كان مسؤولاً عن الإخفاق في الأداء التنفيذي بصفته رئيس الوزراء، والإخفاق في القضايا التشريعيَّة بصفته صاحب أكبر كتلة برلمانيَّة، وهو الذي كان يتسلَّط تشريعيَّاً باسم الأغلبيَّة الميكانيكيَّة، ثمَّ إنَّه ليتحمَّل وزر تجاوزات حقوق الإنسان في مناطق النِّزاع المسلَّح لأنَّه احتفظ بحقيبة وزارة الدِّفاع في فترة من فترات حكمه، علاوة على أعبائه كرئيس للوزراء.
وإمعاناً في إسلامويَّته حاول الصَّادق إضاعة الجواب حين جوبه بالسؤال عن “إعلان نيروبي” في نيسان (أبريل) 1993م الذي توافقت عليه أحزاب المعارضة الشماليَّة والجنوبيَّة، وأقرَّ بطريقة غير مباشرة مبدأ فصل الدِّين عن الدَّولة، وكان حزب الأمة قد عمد إلى تجميد عضويَّته في التجمع الوطني الدِّيمقراطي حين صدر “إعلان القاهرة” في تشرين الثاني (نوفمبر) 1992م، الذي نصَّ على أنَّ “الدِّين لله والوطن للجميع”.(32) وفي كل ذلك وجد الصَّادق نفسه مشدوداً بين شيعته الأنصار ذوي التوجُّه الإسلامي من ناحية، والمعارضة الممانعة لأسلمة الدولة من ناحية أخرى. وما بين الأنصار قاعدة حزب الأمة وبين المعارضة ضاع الصَّادق على أعتاب الطائفيَّة والتعصُّب الدِّيني. وفي ذلك كله لم نندهش من تصرُّفات الصَّادق لأنَّ الاندهاش هو حال الشعور بالمفاجأة، ثمَّ إنَّنا لم نحسُّ بالدَّهشة وهي الأخرى شعور فجائي بالفرحة وضدها تماماً الصدمة وهي شعور مفاجئ بالحزن والخيبة، وهذه الأخيرة هي التي أصابتنا.
بعد كل هذا وذاك يمكننا أن نقول لقد حدث الانسجام والتنسيق الكاملان بين الصَّادق والحركة الإسلاميَّة في مواجهة ما أسمَّوه الخطر الشُّيوعي، واستمرَّ هذا الانسجام لاحتواء المد أو البعبع الشُّيوعي، وإيجاد صيغة للتكامل بين القوى الإسلاميَّة، وكذلك ظهر التعاون في الثمانينيَّات في شكل “المجلس الإسلامي العالمي” في لندن و”جماعة الفكر والثقافة الإسلاميَّة” في الخرطوم، وأثمر ذلك التعاون في وثائق وبيانات ونشاط مشترك في مجال الاقتصاد الإسلامي تمثَّل في “دار المال الإسلامي” بمشاركة إسلاميين آخرين من غير السُّودانيين وقيام “منظَّمة الدَّعوة الإسلاميَّة”. إذ يعتبر الصَّادق مهندساً للعلاقة بين حزبه من ناحية، وبين الجماعات الإسلاميَّة في السُّودان من ناحية أخرى، والتي اتَّخذت أسماءً مختلفة آخرها المؤتمر الوطني وقبلها الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة. وكان الصَّادق يرى أنَّ الهدف الأساس لهذا التحالف مع الجماعات إيَّاها هو تجميع القوى الجديدة التي أفرزتها الأحزاب الكبيرة والحركة السِّياسيَّة في السُّودان في اتجاة يحاصر “الأطماع الشُّيوعيَّة”، ويسعى إلى إقامة نظام إسلامي تسانده جماهير عريضة من القوى الشعبيَّة والقوى الحديثة.
أما إذا كان هناك ثمة خلاف عارض بين الصَّادق وبين الإسلاميين فهو أنَّ الصَّادق غير موجود في السُّلطة وإن كان له وجود تمثيلي بابنيه في الحكومة هما: عبد الرحمن في استشاريَّة الرئيس عمر البشير، وبشرى في جهاز الأمن والمخابرات. ومن المهام التي تمَّ التكليف بالأخير من قبل هذا الجهاز الأمني والمخباراتي، كما ورد في محضر اجتماع الأمين العام للحركة الإسلاميَّة السُّودانيَّة مع السيِّد رئيس الجمهوريَّة المنعقد بمنزل السيِّد رئيس الجمهوريَّة بالقيادة العامة في يوم 10 أيلول (سبتمبر) 2014م، أنَّهم “قلنا (لبشرى) قول لأبوك أنا جاييك لحمايتك، واتَّفقنا مع بشرى نحن دايرين أبوك يجي وعشان يجي لا بدَّ نعمل مع بعض؛ تمشي له بأديس أبابا وتقعد بعيد وما تتدخَّل في شغله، بس ترصد من يقابله ومن يضرب له، وأين مسافر وتقيم معه بالقاهرة لتعرف مقابلاته وتتونَّس معاه في بعض المواضيع وترسل لينا التلقاه؛ نحن متَّفقين نخلِّص أبوك من التمرُّد وبعض الأجانب الدايرين يستخدموه لصالح التمرُّد، وإذا سافر أي دولة أو قابل أي مسؤول تكون معاه؛” أي بأسلوب آخر أن يتجسَّس الابن على والده، وأن يكون حارساً أميناً له من أي سوء قد يلحق به؛ فهكذا يطمئن الآباء من حراسة الأبناء لهم، وتستفيد الدولة من تجسُّس الأبناء على آبائهم.
إذاً، لا ريب في أنَّ الذي يربط الصَّادق المهدي صاحب الصحوة الإسلاميَّة مع رواد الحركة الإسلاميَّة في السُّودان وخارج السُّودان أكثر مما يربطه بالشَّعب السُّوداني. فالشَّعب السُّوداني بالنسبه له ولمنافسه وغريمه السِّياسي السيِّد محمد عثمان الميرغني ما هو إلا عبارة أتباع وأشياع، ونظرتهم لهم فقط بمقدار خضوعهم وولائهم لهم سمعاً وطاعاً، وذلك لتحقيق مآربهم الدنيويَّة.
على أيٍّ، فإنَّ خيراً من لخَّص التعاون الإسلاموي والتفاعل الإيجابي بين الصَّادق المهدي من جهة، وبين الإخوان المسلمين أو جبهة الميثاق الإسلامي أو الحركة الإسلاميَّة في السُّودان وخارج السُّودان أو الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة أو المؤتمر الوطني من جهة أخرى، هو الصحافي عبد الوهاب عمرابي، حيث وصل إلى قناعة مثبتة بوقائع مرئيَّة ومسموعة ومقروءة وفعليَّة بأنَّ الصَّادق لم يكن في يومٍ ما “أمل الأمة” في شيء، وأنَّ المرحوم الدكتور حسن الترابي كان قد أفلح في شيء من الفلاح شديد أن يزرع الصَّادق كغواصة أو عميل للإخوان المسلمين ليكون صالحاً لكل زمان ومكان حتى فاق الترابي في ذكائه وفي هذا المنحى تحديداً وكالة الاستخبارات المركزيَّة الأميريكيَّة (Central Intelligence Agency – CIA) والاستخبارات السوفيتيَّة السَّابقة (Komitet gosudarstevennoy bezopasnosti – KGB, Committee for State Security).(33)
لا جدال في أنَّ من تلوَّث في علائقه السِّياسيَّة والاجتماعيَّة بالحركة الإسلاميَّة يكتسب كثراً من المزايا غير الإنسانيَّة وغير الأخلاقيَّة، والتي هي ما يمتاز بها أصحاب هذه الملَّة، ويشمل بعض من هذه الخصال التكذُّب السِّياسي، وإهدار حقوق الإنسان. وتتجلَّى خطورة مفاهيم هؤلاء الأقوام، والتي تتعارض مع عالميَّة حقوق الإنسان، في أنَّها تتَّخذ أسانيدها من الدِّين وتضفي على نفسها صفات الوصايا القدسيَّة والألوهيَّة الكهونوتيَّة، وحينئذٍ لا ينبغي لكائن أيَّاً ما كان أن يطعن فيها، وذلك لأنَّ النَّيل منه أو الرَّد عليه، قد يضع ناقده في من اقترف موبقة من الموبقات، أو أتى شيئاً إدَّاً. فعلاوة على ما أشرنا إليه آنفاً لماماً عن مزاعم الصَّادق المهدي في اتِّهام الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان بانتهاكات حقوق الإنسان فسوف نورد غيضاً من فيض تجاوزات حقوق الإنسان في حكومتي الصَّادق الأولى في الستينيَّات والثانيَّة في الثمانينيَّات من القرن الماضي.
وللحديث بقيَّة،،،