*كان سكوناً عجيباً في تلكم الليلة..
*وذلك قبل سنوات عديدة خلت… وكان يوم تهيؤ لرمضان..
*كنا أربعة في مقتبل الصبا ؛ ونتعاطى مُقبِّلات أحلامٍ مشروعة زاداً لمقبل الأيام..
- أنا… وهشام… ومعتصم… ومجنون (ليلاه) صلاح..
*ومعتصم هو بطل كلمتنا هذه… وأمسيتنا تلك..
*كان في رقة نسيم الليلة المذكورة ؛ أدباً… ولطفاً… وتهذيباً… وأناقةً..
*بيت أهله انتبذ مكاناً قصياً من بين بيوت الحي..
*واتخذ من دونها حجاباً نباتياً… كثيفاً..
*وعند خروجنا من داره – ليلاً – أبت دماثة خلقه إلا أن يرافقنا حيناً..
*وتطاول ذلك الحين بتطاول الشارع المحاط بالأشجار..
*كنا نمشي الهوينى ؛ والدرب – بفعل سحر الليل – يطول… وتطول أشجاره..
*وتطول أيضاً أشباحه ؛ حتى لتكاد تعانق ظلمة السماء..
*وافترع أحدنا – فجأة – فكرةً شرخت مرآة الصمت… وتماهت ورهبة ذياك المساء..
*ومن غيره – معتصم – صاحب الخواطر الفجائية المجنونة ؟..
*وهي أن يُغني كلٌّ منا أغنية لمن يحب من المطربين..
*وفي مصادفة غريبة كان هو – وشخصي – عاشقين لمطرب واحد ؛ أحمد المصطفى..
*وتمنَّعت بادئ الأمر… ثم أذعنت تحت وطأة إلحاحه..
*فقد كنت – وما زلت – ذا صوت تنفر منه الحمير… عند التغنِّي..
*وترنمت بمقاطع من أغنية (في سكون الليل)..
*فإذا بصوتي – ويا سبحان الله – ينطلق شجياً لأول – وآخر – مرة في حياتي..
*وربما كان لحنَ وداعٍ ينبعث من مكامن غيبية بداخلي..
*ولدهشتي أبصرت – في ضوء فانوس شارع ناعس – دمعاً يترقرق بعينيه الحزينتين..
*فصمتُّ ؛ وذاب صمتي في سكون الليل… والمكان..
*لم نكن نسمع – لبرهة من الزمان – سوى حفيف الشجر… على إيقاع نسيم متثاقل..
*ثم انفلت من حصار الصمت صوتٌ يترنم بأغنية (فارِق لا تلم)..
*كانت من بين كل روائع (العميد) الأغنية الأثيرة لدى معتصم..
*وطفق يردد مقدمتها مراراً (فارق لا تلم… أنا أهوى الألم)..
*وبعد أن بلغنا سدرة منتهى سكتنا – وفي نفس كلٍّ منا شيءٌ من حتى – افترقنا..
*وما كان في نفس صلاح محض ترف قياساً للذي بنفس معتصم..
*فالأول يحلم بليلاه المتمنِّعة عليه… والثاني يحلم بتغيير متمنِّع على الشعب..
*و(فارقنا) معتصم – بعد أيام – إلى موسكو… حيث يدرس..
*ومرت أيام وليالٍ… وكرَّ علينا ليلٌ ونهار… وحدث التغيير… وزالت (مايو)..
*وسكر معتصم بخمر الفرح الحلال من بعد المقبِّلات المشروعة..
*ولم يحتمل قلبه الرقيق تحمُّل (وطأة) السعادة..
*ومشى مشواره الأخير في سكة الحياة عند أوان مشوارنا المسائي ذاك نفسه..
*وفي سكون الليل….. فارَق !!!.