أتناول اليوم بعض أفكار الدكتور عصام حول حديثه بشأن قضية (التترس.. نكاية في العدو أم الأمة؟). وقبل أن أعرض إلى تناول د.عصام للقضية أرجو أن نقدم لدرس اليوم بشرح لمعنى (التترس) ومشروعيته.
التترُّس: التُرس بضم التاء: ما يتوقى به في الحرب، يقال: تترس بالترس إذا توقّى به. والتترس له حالتان: الأولى تتعلّق بجهاد الدفع بأن يقابل جيشُ المسلمين جيشَ الكافرين (المحاربين)، وعند الكفار أسرى من المسلمين، فيهدّد المشركون بقتل أسرى المسلمين إن لم يسلموا ديار الإسلام لهم، أو يهجم جيش الكفار لاستباحة بيضة الإسلام وقد جعلوا أسرى المسلمين درعاً لهم. ففي هذه الحالة أجمع العلماء على قتال المشركين ولو تترّسوا بمسلمين ولو أصيب أولئك الأسرى، لأنهم إذا تركوا وهجموا على المسلمين أبادوهم جميعاً، وموت تسعة أهون من موت مائة، ولذلك قال من قال بقتال الكفار ولا يقصد المسلم الذي تترسوا به.
الحالة الثانية: وهي تتعلق بجهاد الطلب عندما يغزو المسلمون أرض الكفر، وعند الكفار أسرى من المسلمين، فيهدد المشركون بقتل أسرى المسلمين إن لم يرحل المسلمون عنهم، أو يجعل المشركون أسرى المسلمين كالدرع والحاجز بينهم وبين جيش المسلمين ولا يكون في ترك قتال الكفار قضاء على بيضة الإسلام واستئصال للمسلمين. وهذه محل خلاف.
وقد وضع بعض الفقهاء للتترس شروطاً، أجملوها في أن تتميز الصفوف بين المسلمين والمشركين، وأن يكون المشركون محاربين، ولا يكون بيننا وبينهم عهد ولا ذمة، وأن لا يستطيع التوصل إلى قتل المشركين المحاربين إلا بمظنة قتل أولئك الأسرى، فلو قدر عليهم بغير هذا السبيل فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم رميهم متترسين، وأن لا يقصد قتل أسرى المسلمين، وأن يحول دون ذلك بكل قدرة وطاقة، وأن لا يكون في مسألة التترس غدرٌ، ولا خيانة، ولا مخالفة لسلطان المسلمين.
ونأتي لدكتور عصام في إجابته على السؤال التالي:
(التترس: نكاية في العدو أم الأمة؟)
- الأمة جيوشها معطلة، والنكاية بالعدو أجبرته على الخروج من العراق فخرج مرغماً ذليلاً، والآن يخرج من أفغانستان؟
يقول د.عصام مجيباً عن السؤال:
أريد أن أسألك: هل أحداث 11 سبتمبر 2001م حققت مفهوم النكاية بالعدو؟ وما الذي ترتب عليها؟ ترتب عليها تشويه لصورة الإسلام والمسلمين، وترتب عليها تجفيف منابع العمل الخيري في العالم الإسلامي حتى أصبح رجال البر والإحسان يدقق حسابهم على المستوى الشخصي ويستخفي من إنفاقه ودعمه للعمل، وطورد الدعاة، واستغلت فرصة ضخمة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين.
بعض الشباب يقول إن الدليل على الجوانب الإيجابية لأحداث سبتمبر أن عدد من دخل الإسلام ازداد، وهذه ليست حجة، فالله تعالى في حادثة الإفك يقول: “لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ” (سورة النور، الآية:11) بمعنى أن من أقدار الله تعالى أن يجعل في طيات بعض المحن منحاً، فهل هذا دليل على مشروعية الفعل؟ هل هذا دليل على صحة مشروعية الإفك؟ القرآن سماه إفكاً ومع ذلك قال ” لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ” ، وهو ليس دليلاً على أن الإفك شيء طيب. فإذا كان دين يقول: “دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض”، فكيف آتي وأضرب وأستهدف بعض الناس الآمنين وبعض الناس المسلمين؟! ينبغي أن نفرق بين الشعوب والحكومات.
- تبعاً لا قصداً؟
أولاً، ليست هناك فئة متحيزة حتى نقول إن هؤلاء متترِّسون بهم، هذا استهداف عشوائي غير مبني على أسس شرعية صحيحة، صحيح أخذت أقوال من هنا وهناك في فقه التترس، ولكن لا تنطبق على ما فعلوه. القواعد الشرعية للتترّس ذكرها العلماء، والدليل على ذلك أعتقد أن المفاسد التي ترتبت عليها بغالب اتفاق العلماء المعاصرين على اختلاف مدارسهم بأن هذا الفعل لا يعبر عن الطريقة المشروعة.
انظر للقرآن الكريم تجده تحدّث عن مرحلتين: مرحلة الاستضعاف ومرحلة الاستخلاف. مرحلة الاستضعاف أن يقابل الواحد عشرة، ومرحلة الاستخلاف والقوة الواحد يقابل اثنين، أين الأمة؟ الأمة تنظر نظرة كلية استراتيجية وليس مجموعة من الناس استهدفوا مكاناً ودمروه يعتبر ذلك نكاية بالعدو، بالعكس ما أوقعه العدو في المسلمين من النكاية والتضييق أضعاف أضعاف ما فعلوه هم في العدو بهذا النظر الضيق.
الواجب علينا أن نبحث عن أسباب القوة الحقيقية، بلاد تمتلك أرضاً خصيبة، وأيدي عاملة وخبرة فنية، وأموالاً كثير منها مجمد في بلاد الغرب، لنحرّك هذه الأموال، ينبغي أن نقيم تكاملاً، فمن ملك القوت ملك القرار، نتكلم عن أسباب قوة مادية وأسباب قوة معنوية.
- كيف يمكن تحقيق ذلك في ظل دولة علمانية قابضة تحول دون هذه الأشواق؟
يا أخي، هنالك قفز على السُّنن، فهل المطلوب أن تقام الدولة على أيدينا؟ هل المطلوب أن يتم التغيير على أيدينا؟ المطلوب منا شرعاً أن نسعى وفق سنن الله تعالى، سنة التدرج، سنة الأولويات، سنة مراعاة فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, يا أخي، سبُّ الأصنام جائز ومباح ولكن إذا ترتب عليه ما هو أعظم منه وهو سب الله تعالى نترك ذلك.