كثيرا ما يردد الإنقاذيون بأن أزمات السودان لم تصنعها الإنقاذ وإنما ورثتها من الأنظمة السابقة التي حكمت السودان.
حسنا فإن كان هذا القول صحيحا ماذا فعلت بها أنت يا (خائب الرجا)؟
ألم تسم نفسك الإنقاذ؟
فإن وضعت قضية الجنوب وانفصاله قالوا لك أن هذه الأزمة منذ الاستعمار موجودة.
وإن طرحت العنصرية وقضايا التهميش قالوا لك أن هذه الأزمة موجودة منذ سياسة (فرق تسد) التي تركها الاستعمار كالجرثومة في السودان وخرج.
وإن ذكرت حلايب وشلاتين قالوا لك ان هذه الأزمة موجودة منذ ١٩٥٨.
وإن ذكرت أزمة الحكم، والطائفية يقولون لك أن هذه الأزمة لازمت السودان منذ الاستقلال.
وإن ذكرت الأزمات الاقتصادية، ومعاش الناس يقولون لك هذا شغل الناس الشاغل منذ أن عرف الناس قطرا اسمه السودان.
حسنا فلتكن هذه الأزمات موجودة قبل الإنقاذ فلنر كيف تعاملت معها الإنقاذ (خائبة الرجاء).
فالأزمات لها ثلاث حالات: إما أن تبقى على حالها، ولا تحل.
وإما أن تحل.
والاحتمال الثالث هي أن تزيد، وتتفاقم بسبب السياسات الرعناء التي تتخذها الحكومة.
لماذا اتخذت الإنقاذ موقعها مع الحالة الثالثة، وجلست، وتحكرت عليها كما لم تجلس، وتتحكر حكومة قبلها؟
فإن ذكرت قضية الجنوب، وانفصاله الذي تبرره بأنه أزمة قديمة حديثة إلا أنه تعاملت معه بأن جعلت منه ثلاث أزمات لا أزمة واحدة.
فهي مرة قالت عنه انه أزمة دينية، فحولته إلى مسرح للجهاد استشهد فيه خيرة شباب السودان لنصل في النهاية بعد انفصال الجنوب إلى أنه ليس عدوا لنا، ولا يحزنون بل هو الآن ملجأ لمفاوضات السودان السلمية.
كما أنها جعلت من أزمة الجنوبة أزمة ثانية حينما ضغطت من العالم بسبب إيوائها لشخصيات، ومنظمات مرفوضة عالميا، وأرادت أن تكفر عن سوءاتها هذه اتخذت من حل أزمة الجنوب معبرا للخروج من هذه الأزمة التي لحقت بها، فسعت جادة في حق تقرير مصير الجنوبيين؛ لتكسب الرأي العام العالمي.
اما أزمة الجنوب الثالثة التي أججتها هي كونها اختزلت كل أزمة الجنوب في شخصيات معينة، فكانت النتيجة التلميع لأولئك الشخصيات مع ازدياد الأزمة.
وهكذا استمرت الإنقاذ في إدارتها للأزمات التي ورثتها بأن حولتها لأزمات يصعب حلها أو التخلص منها.
فالعنصرية، والتهميش التي قالت عنه بأنه ازمة قديمة، فما فعلت هي سوى غيرت العبارة التي كانت تخدم الاستعمار؛ لتعمل من أجل خدمتها هي، فسياسة (فرق تسد) سخرت لها كل الإمكانيات البشرية، والمادية لتبقى لا للاستعمار بالطبع، ولكن لتبقى من أجلها هي، فما وجدت بيتا من بيوت زعماء القبائل إلا وقسمته قسمين: قسم مدعوم، ومسنود منها بسبب ولائه لها وقسم نزلت عليه لعنة الله بسبب معارضته لها.
وحلايب وشلاتين رغم أحقية السودان لهما إلا أنهما أصبحتا كرت ضغط على الإنقاذ فكلما توغلت القوات المصرية، وبنت لها مؤسسات عسكرية داخلها، ونظرت إليها الإنقاذ نظرة رفض، واستنكار ذكرتها بتورط رموزها في مقتل رئيس مصر، فتسكت، وتتناسى الأزمة.
وأزمة الحكم، والطائفية فبدلا من أن تزيلها جعلتها وسيلة، لتثبيت حكمها فمرة تقرب بيت المهدي جناح الصادق، ومرة تقرب جناح مبارك الفاضل، ومرة تقرب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة الميرغني ، ومرة تبعده بغير الأصل كما دست حول الأحزاب الطائفية أحزابا أخرى ليس لها دور، ووظيفة سوى القيام بتمثيلية الشورى، والديمقراطية، وإجراء الانتخابات الصورية؛ لتثبيت شرعيتها للحكم.
أما الطامة الكبرى فهي الأزمة الاقتصادية، فهي وإن ظهر البترول في عهدها؛ ليكون حلا لهذه الأزمة جعلت منه أزمة أخرى حينما جعلته موردا لتثبيت حكمها، وتقوية لرموزها، وأقنعت نفسها بهذه السياسة في كونها هي التي تسببت في استخراجه، وبالتالي لا أحد ينعم به غيرها، وما على البقية إلا أن يأخذوا الفتات.
صحيح توجد أزمات ارتبطت بتاريخ السودان الحديث إلا أن الإنقاذ جاءت، لتتربع على رأس هذه الأزمات لا بسبب إلا بسبب استغلال هذه الأزمات؛ لتصعد، وتقوى بها، فالنتيجة الطبيعية من هذه السياسة هي ازدياد هذه الأزمات، وتفاقمها.
المصدر: صحيفة الانتباهة