نتذكر المثل المتداول في السودان والذي يقال عندما تتم معالجة القضايا بغير ما ينبغي ان تكون عليه ومفاده نصا (يشوف الفيل ويطعن في ضلو) ومناسبة ذلك المثل الان هو القرار الصادر مؤخرا من وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي والذي تضمن تعويم الجنيه السوداني كمحاولة اقتصادية للخروج من أزمة التضخم وما لحق بالاقتصاد من الانهيار وهو الإجراء الذي تراوحت الآراء حوله بين موافق واخر معارض وأما بالنسبة لنا فإن ما يعنينا من القرار أنه لم يصب المشكلة الاقتصادية كما ينبغي عندما أغفل استثمار الموارد المتوفرة في بلادنا وما أكثرها لتكون الأرضية التي تنطلق منها الجهود نحو الأهداف الاقتصادية المأمولة.
ونشرح أكثر ونقول ان اصدار الوزارة لقرار يركز على تعويم الجنيه لانقاذ البلاد من وعثائها الاقتصادية الشائكة التي كان من مظاهرها انهيار العملة الوطنية نحو الحضيض وما يتبع ذلك من انعدام الخدمات وتفاقم مشكلة الأسعار التي بلغت ذروة الغلاء لحظة بعد أخرى وقد أصابت المواطن بمصاعب معيشية غير مسبوقة ويضاف الى ذلك الأسوأ المتمثل في تفاقم عجز القطاع الصحي عن القيام بدوره العلاجي والوقائي وما تبع ذلك من انعدام الدواء وهو ما تسبب في المشاكل الصحية التي كان من نتائجها في الفترة الأخيرة زيادة كبيرة في حالات المرضى والوفيات تاليا يعد الاستثمار في الموارد الطبيعية أقصر الطرق نحو اقتصاد وطني يساهم في إطعام الناس من الجوع ويعافيهم من الأمراض .
ولعل الاخفاق الاقتصادي وما تبع ذلك من المشاكل المعيشية هو النقطة الأبرز التي يركز عليها قرار تعويم الجنيه فان وجهة النظر المقنعة تنطلق من رؤية واضحة ولا تحتاج لدرس العصر مفادها التركيز على ان تكون معالجة القضايا الاقتصادية عبر الاستفادة من الموارد الطبيعية التي في مقدمتها نجد القطاع الزراعي حيث يمتلك السودان مساحة واسعة صالحة للنشاط الزراعي وتقدر بأكثر من 41 مليون فدان فإن استثمارها بالنحو الأمثل يعد صرورة ملحة لانقاذ الوطن من وحل الاقتصاد وأيضا يضمن تحقيق طموح طال انتظاره مفاده ان السودان سلة غذاء العالم ويضاف الى ذلك المعادن والثروة الحيوانية والصمغ العربي .
ومن المفارقة العجيبة ان عدم استثمار السودان لموارده الطبيعية بالصورة المثلى وهو ما يثير الاستغراب لدى الكثيرين في خارج السودان وبخاصة أبناء بعض الدول العربية الشقيقة الذين اذا قابلوا ( الزول ) يتحدثون معه عن موارد السودان الطبيعية ويجادلون بان عدم استثمارها هو بسبب ( الكسل ) وحجتهم في ذلك أن السودان الذي ينظر إليه على أنه سلة غذاء العالم بات سلة الفقر بينما يمتلك الكثير من الموارد الطبيعية التي يتفوق بها على دول العالم مثل المياه العذبة والأراضي الزراعية الشاسعة الخصبة والثروة الحيوانية والمعادن الثمينة علاوة على ما في باطن الأرض من الغاز والنفط
و نسأل كحال غيرنا من أبناء الدول العربية في حيرة ان كان بلد غني بكل تلك الموارد الطبيعية المتنوعة مثل السودان يعاني أهله الجوع ويتدهور اقتصاده وتنهار عملته الى الحضيض وتنعدم فيه الخدمات بينما السودان ينتظر الدعم والهبات من الدول الأخرى والأسوأ من كل ذلك لا وجود لبرامج تهتم بقضايا الشباب أو المشاريع التي تشكل حلا لظاهرة بطالة الخريجين ويضاف الى ذلك هجرة العديد من العقول الكبيرة الفاعلة لاسيما في القطاع الصحي .
ومن الواضح ان سياسة تعويم الجنيه التي لجأت اليها وزارة المالية وبموجبها رفع البنك المركزي يده عن العملة بشكل كلي وترك الجنيه السوداني يحل مشكلته مع العملات الأخرى في سوق العملات وفقا للعرض والطلب هي معركة فيها قولان لكن اللافت هي خاسرة وغير مضمونة النتائج وهو ما يعزز الدعوة إلى التركيز على الاستثمار في الموارد الطبيعية للخروج من الأزمة الاقتصادية بدلا من التبشير بوصول الدعم الخارجي .
المصدر: صحيفة الانتباهة