الخبير الاقتصادي والقيادي بالشيوعي صدقي كبلو لـ(الانتباهة) : الحديـث عـن أن الآثـار الإيـجـابيـة للتعويم ستظهر بعد حين (وهم)
حوار: أم النصر محمد
بات الاقتصاد السوداني كمريض داخل غرفة الإنعاش يلتقط أنفاسه الأخيرة، ولم يفلح كبار الجراحين الذين فحصوا حالته من تحسين وضعه وإنعاشه وإعادته لدورة الحياة. فبلد بهذه الخيرات والموارد التي ترفل من النعم يعاني اقتصادها التدهور والانهيار وبرغم إجراء الكثير من السياسات لإنعاش الاقتصاد أو إنقاذ الوضع والتي كانت مثل الخياطة بدون بنج في جسد المواطن السوداني، جاء قرار تعويم الجنيه لعله الأكسجين الوحيد الذي ينقذه، فانقسم الاقتصاديون والخبراء والساسة ما بين مؤيد ومعارض لهذه العملية . (الإنتباهة) جلست مع عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني الدكتور صدقي كبلو ورئيس القطاع الاقتصادي تحاوره، فمعاً لمضابط الحوار:
]ما رأيك في قرارات بنك السودان المركزي الخاصة بالتعويم؟
=في رأيي قرارات بنك السودان الأخيرة التي تخص التعويم الذي بدأ منذ منتصف العام الماضي على معاملات الحكومة فالتعويم قد تم في النصف الثاني من العام الماضي كاملاً ماعدا الحكومة يعني سوق النقد الأجنبي الخاص بالصادرات والواردات والخدمات وتحويلات المغتربين كانت تعمل بجنيه حر يحدد سعره السوق الموازي يرتفع وينخفض وفقاً لمتطلبات هذه السوق .
]كيف تم ذلك؟
= تم ذلك بسياسة حكومية لم يسبقها أي إصلاح اقتصادي خاصة في مجال التحكم على عرض النقد الأجنبي والطلب عليه كما اقترحنا نحن واقترحت اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير فيما يتعلق بما حدث أن الحكومة بدأت بمنشور لبنك السودان سمح للمصدرين بأن يوردوا عائدات الصادرات لحسابات خاصة بهم في البنوك التجارية والتصرف فيها وفقاً لإرادتهم.
]ماذا يعني ذلك؟
= هذا يعني تعويما للجنيه ويعني أن الجزء الأكبر من عرض النقود يسيطر عليه المصدرون الفرديون ويوجد في البنوك التجارية ويتم التعامل فيه بحرية. الجزء الثاني من هذا المنشور يقول إنه يمكن بيعه للموردين وللبنوك وهذا يعني أن الجزء الثاني من التجارة الخارجية وجزءا كبيرا من ميزان المدفوعات أصبح تحت إدارة السوق الموازي وقد عززت الحكومة ذلك بتكوينها لمحفظة تشتري النقد الأجنبي من المصدرين وغيرهم وتمول بهذا النقد الأجنبي واردات السلع الأساسية محروقات قمح وغيره.
]هل هذا ساهم في اتخاذ قرار التعويم؟
= هذا عزز من تعويم الجنيه فأصبح الجنيه عائماً في الأساس، الحكومة وبنك السودان والبنوك التجارية لم تكن لها سيطرة على مدخرات وتحويلات السودانيين العاملين بالخارج.
]كيف ذلك؟
= تلك المدخرات والتحويلات من وقت بعيد جداً هي تحت سيطرة السوق الموازي الموجود في الخارج ،صحيح أن إدارته تتم من الداخل ولكن السوق نفسه وتداول النقد الأجنبي يتم في الخارج فحقيقة أصبح السعر الرسمي الموجود عند الدولة هو سعر إسمي لا معنى له تتعامل به الدولة لتحويل المنح التي تصلها والقروض التي تصلها. وما فعلته بالأمس انها قالت إن هذه المنح والقروض يتم تحويلها وفقا للسوق الموازي، وهذا هو استعداد لدفعيات قادمة من شركاء السودان أقرت في مؤتمر برلين وأقرت في قرارات أمريكية ومحتملة من البنك الدولي ومن صندوق النقد الدولي.
]هل كان لاجتماع السفير الأوربي برئيس مجلس السيادة الذي تم بالقصر الجمهوري علاقة لاتخاذ قرار إجراء التعويم ؟
= قد قال السفير الأوربي وهو خارج من القصر الجمهوري قبل ثلاثة أيام بعد اجتماع باسم سفراء الاتحاد الأوربي ورئيس مجلس السيادة قالوا إن على الحكومة أن تنفذ باقي الاشتراطات أي باقي الإصلاحات الاقتصادية والمقصود بباقي الإصلاحات الاقتصادية هو تعويم الجنيه الرسمي لأنهم لا يريدون أن يدفعوا منحا تحسب بخمسين جنيها وهذا مهم لأن حتى في رد القروض ودفع الديون الحكومية يريدون أن تدفع الحكومة بسعر السوق لأنه لا يوجد نقد أجنبي في السوق يمكن شراءه بخمسين جنيها فهذا جوهر القرار .
]وماهي آثار القرار؟
= آثار القرار على السوق الموازي لا تعني شيئا سيستمر السوق الموازي يرتفع وينخفض وفقاً للعرض والطلب على النقد الأجنبي، فالحكومة لم تتدخل في العرض ولا الطلب.
]ماذا إذاً تتوقع؟
= أتوقع تدهور سعر الصرف وارتفاع أسعار العملات الأجنبية مازال هو كما كان من قبل وسيستمر.
]ماهو أثر هذا الارتفاع في أسعار العملات الأجنبية وتدهور الجنيه؟
= أثره هو التضخم القائم على تكلفة الإنتاج . للأسف الشديد إنتاجنا في معظم مكوناته يعتمد على مدخلات إما في الإنتاج نفسه أو في عملية ما بعد الإنتاج تأتي من الخارج سواء كان محروقات ، سماد ،آليات ،اسبيرات وكيماويات وغيرها.
]ماهو الأثر على الاقتصاد الكلي للسودان؟
= سيكون استمرار التضخم الذي وصل إلى 304% في آخر يناير وسيستمر.
]لماذا؟
= لأن السياسات الموجودة الآن ليست هناك سياسة وأحدة تلجم التضخم لان إلجام التضخم يعني العمل أولاً على استقرار سعر الصرف وتقوية الجنيه وسياسات الحكومة لا تعمل في هذا الاتجاه. سياسات الحكومة التي تتبع توجيهات الشركاء والمؤسسات المالية الدولية.
]هل هناك آثار إيجابية للتعويم؟
= الحديث عن أن هناك آثاراً إيجابية سيظهر بعد حين هو وهم، وبدون سياسات إصلاحية داخلية، السوق الموازي لن يصلح نفسه،السوق الموازي سيظل يرتطم بأمواج المنافسة والتوقعات وبالتالي المضاربات خاصة إذا ظلت التجارة الخارجية كما هي.
]بمعنى؟
= بمعنى أن أي شخص يستطيع أن يستورد أي شيء يعني فتح باب الاستيراد بشكل مطلق يضر بالاقتصاد السوداني وكذلك يضر بسعر الصرف ويؤدي إلى منافسة بضائع غير مهمة مع بضائع أساسية. وخاصة البضائع غير المهمة مستهلكوها يستطيعون دفع أي ثمن لها وبالتالي تصبح واحدة من أدوات السياسة الاقتصادية والمالية في هذا الاتجاه غير نافعة فهذه المسألة تحتاج لقرارات إدارية بالمنع أو تحديد الكوتات بدون هذا يصبح دائما نحن عندنا استيراد ممول من سوق النقد الأجنبي في الخارج الذي يتم من تحويلات ومدخرات المغتربين وهذا سيضعف سعر صرف الجنيه ويؤدي إلى مزيد من التضخم .
]كيف سيسهم القرار في تقليص عجز ميزانية المدفوعات؟
= هذا القرار لا علاقة له أبداً بميزان المدفوعات وإذا كان هنالك أثر سوف يكون أثره بسيطا جداً في شراء الناس المسافرين إلى الخارج للعملة بسعر السوق الموازي ومعظم العملة التي كانوا يشترونها كانوا يشترونها من السوق الموازي لأن العملة التي تحدد لهم بالبنوك بالسعر الرسمي هي عملة محدودة جداً ولم تكن موجودة. ففي الغالب الذي يسافر لعلاج أو لدراسة أو السياحة سيشتري من السوق الموازي والذين يسافرون لهذا هم القادرون فقط. فهذا أثره على ميزان المدفوعات لن يؤثر على التحويلات الرأسمالية فالتحويلات الرأسمالية الداخلة للسودان تحتاج لاستقرار ميزان الصرف . فالآن نحن وضعنا الحبل على الغارب لسعر الصرف ليتحرك كما يشاء وبالتالي لا يستطيع الرأسمالي القادم أن يتنبأ بأن قيمة أصوله كم ستفقد أو أرباحه التي يحولها ستصبح كم.
]هل هذا القرار يعمل على تشجيع الصادر؟
= هذه واحدة من الشائعات الكبيرة التي يطلقها المنظرون الغربيون ويصدقها بعض الاقتصاديين السودانيين دون نظرة متأنية، فالصادر في السودان لا يتحدد سعره في السودان بل يتحدد سعره في السوق العالمي ومن يفترض أن المنتج السوداني هو منتج يعاني من كثرة نقده فهذا لم يدرس الاقتصاد السوداني، فالتاجر السوداني مهتم بالسعر الحقيقي فالكلام عن ان المنتج لديه وهم نقدي كل ما زاد عائده يفرح فرحا غير حقيقي والدليل على ذلك مزارع الجزيرة الذي يزرع القمح فهو يطالب بزيادة السعر النقدي . بل سوف تكون هناك صعوبات في انتاج بدائل الواردات يجعلها أغلى في الإنتاج المحلي وهذا موقف مقصود القصد منه إيقاف حركة التصنيع المحلي بالبلاد لبدائل الواردات لمصلحة السوق العالمي ويستفيد من هذه المسألة تجار العملة فقط .
]ما مدى تأثير هذا القرار على الشرائح الضعيفة ؟
= طبعاً التضخم وارتفاع الأسعار فهذا سوف يأكل دخول الشرائح الضعيفة فالشرائح الضعيفة من وقت بعيد أصبحت بعيدة عن كثير من السلع المستوردة فأصبح همها من السلع المستوردة التي يمكن شراؤها هي عدس وأرز وشاي ولا تطمح في أكثر من ذلك.
]في رأيك ماهي الإجراءات التي اتبعتها الحكومة لتخفيف الضغط على الشرائح الضعيفة ؟ وهل سيقدم لهم دعم نقدي أم عيني؟
= أول خطة مع البنك الدولي تقديم دعم نقدي يساوي خمسة دولارات وهذا الدعم النقدي الذي يساوي خمسة دولارات بحسب قرار الحكومة سعره بالمحلي سيزيد ولكن هل سيكفي؟ مع زيادة نسبة التضخم المستمرة .
الحل ليس في دفع نقود للفقراء الحل الحقيقي في تحسين سبل كسب عيش الفقراء ولا يتم إلا بالاستثمار المنتج عبر مشاريع التنمية في الريف وغيرها وهذا لا يوجد تخطيط له ويمكن أن الجهة الوحيدة التي يمكن أن تقدم جزءا من هذا هي ديوان الزكاة صحيح ان ديوان الزكاة يوزع قروش لكن عنده بندا خاصا يوزع به وسائل إنتاج ولان هذا البند غير منظم بشكل كاف لذلك الناس يعملون على بيع الوسائل التي يعطيها لهم ديوان الزكاة في السوق . فالدعم إذا كان مدعوما بشبكة تنظيمية مهمة لصغار المنتجين بحيث أنه يتم تجميع هذه الوسائل لعمل انتاج كان من الممكن خروج أعداد كبيرة من خط الفقر .
]هل تعتقد أن الحكومة اتبعت الإجراءات المناسبة لتنفيذ هذا القرار ؟
= لا يمكن للحكومة أن تخرج هذا القرار باتباع خطوات مناسبة لأنها بدأت خطأ يعني أن الإصلاحات كانت يمكن أن تبدأ بإصلاح المنشور حول الصادرات وتكوين المحفظة وبدون عمل هذا يصبح الكلام كلاما والسلام لا يحمل أي معنى لكن هذه الحكومة الآن سيكون لها دخل كبير إذا جاءتها المنح عندما يحسب بالنقد الأجنبي فتتخذ ذلك الدخل الأجنبي الكبير لإجراء إصلاحات في الصحة والتعليم فتحسين الصحة والتعليم والمواصلات الحضرية أفضل كثير جداً من إعطاء الناس خمسة دولارات ويعمل على تخفيف الضغط على الفقراء. ويجب أن ينتقل نظام التأمين الصحي لنظام تأمين صحي شامل بمعنى انه فرض عين على كل شخص عائش في السودان وحق في نفس الوقت وتديره وزارة الصحة أو تديره مؤسسة تابعة لها وأن يغطي كل المستشفيات العامة والمراكز الصحية هذا هو الإصلاح الحقيقي أما غير ذلك فهو أن نترك الناس للقطاع الصحي الخاص الذي لا يهمه صحة الناس بل لا يهمه ستر الموتى يموتون عندهم ولن يسلموك الجثة حتى تدفع فاتورة المستشفى.
المصدر: صحيفة الانتباهة