الخرطوم: مروة كمال
في خطوة مرتقبة كشف بنك السودان المركزي عن الأسباب التي دفعت به إلى توحيد صرف الجنيه امس الأحد، بينما تعاني البلاد من وضع اقتصادي صعب يتفاقم لأعوام، وأشارت المؤسسة المالية في بيان لها إلى سياق هذا القرار، مثل ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة وارتفاع عجز ميزان المدفوعات، مما أدى إلى تفاقم التضخم في السودان، وفي المنحى نفسه تعددت أسعار صرف الجنيه السوداني بين السعر الرسمي والسوق الموازية، وسط تراجع مستمر للعملة المحلية، وتحدث البيان أيضاً عن دور انفصال دولة جنوب السودان، لأن هذا الحدث أدى إلى فقدان معظم الاحتياطي النفطي، وتفاقمت الأزمة أكثر بسبب الحظر الأميركي ووجود اسم السودان في قائمة واشنطون للدول الراعية للإرهاب، وأوضح المركزي أنه عقب توالي محطات إيجابية مثل إزالة اسم السودان من القائمة وتوقيع اتفاقية جوبا، اختارت السلطات أن تعيد النظر في كافة السياسات الاقتصادية، أملاً في المساعدة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وذكر البيان أن رأي الحكومة الانتقالية استقر على تبني إجراءات تستهدف إصلاح نظام الصرف وتوحيده، وذلك عبر انتهاج ما يعرف بــ (نظام سعر الصرف المرن المدار)، وبناءً على السياسة الجديدة راسل مصرف السودان المركزي شركات الصرافة من أجل تنفيذ الإصلاحات بدءاً من امس، ويقول البيان إن الهدف من هذه الإصلاحات توحيد واستقرار سعر الصرف، إضافة إلى تحويل الموارد من السوق الموازية إلى السوق الرسمية.
ولتوضيح القرار أكثر انعقد ظهر امس برئاسة مجلس الوزراء مؤتمر صحفي لوزير المالية ومحافظ بنك السودان المركزي ووزير التجارة لتسليط الضوء اكثر على القرار.
يؤكد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. جبريل ابراهيم اتخاذ التدابير اللازمة للقرار وتحكم البنك المركزي في اسعار الصرف، مشيراً الى ان التدابير التي تم اتخاذها كفيلة بالتحكم في سعر العملة وتحسينها في وقت لاحق، واقر بان إجراء توحيد سعر الصرف في العادة يؤدي الى ارتفاع الأسعار نتيجة انخفاض سعر العملة. واكد ان الآثار التضخمية للقرار واردة لكن تمت معالجتها، واضاف أن القرار يحتاج لروح وطنية عالية من كل المواطنين داخلياً وخارجياً، داعياً العاملين بالخارج للعب دورهم للمساهمة في انجاح القرار، لجهة وجود وضع غير طبيعي متمثل في وجود اربعة اسعار للعملة الوطنية، واعتبرها غريبة وشائهة، ويجب معالجة الوضع الراهن، وطالب جميع القطاعات المختلفة بالتعاون في استقرار العملة وتحسين سعرها التبادلي وبالتالي استقرار الأسعار لتفادي تضرر المواطنين، ونوه بوجود برنامج لدعم الاسر الفقيرة لمواجهة ارتفاع الاسعار المترتبة على القرار بحيث يصل الى ٨٠٪ منهم، بجانب برنامج سلعتي لامتصاص اي ارتفاع للاسعار واي ضغط على معاش المواطن.
وتوقع فوائد كبيرة من القرار، منها استقرار سعر الصرف وتحسن العملة الوطنية واستقطاب تحويلات المغتربين وتدفقات الاستثمار الأجنبي، بجانب تحفيز الصادر والحصول على عائداته عبر القنوات الرسمية، اضافة للحد من تهريب السلع والعملات، فضلاً عن انسياب الدعم والقروض الخارجية، وشدد على أهمية توضيح أن القرار يؤدي الى الدخول في الخطوات العملية لاعفاء ديون السودان الخارجية التي تصل الى (٦٠) مليار دولار، واضاف ان القرار خطوة لإدخال السودان في قائمة الدول المثقلة بالديون والتي استطاعت على الحصول على إعفاء من ديونها، جازماً بوجود فرصة كبيرة لشطب معظم الديون، مما يخفف الضغط على إعفاء خدمة الديون والحصول على قروض جديدة تدخل في مشروعات التنمية.
وقال إن القرار اتخذ في ظرف إقليمي ودولي مهم لم يكن متيسراً سابقاً، واضاف ان علاقة السودان مع المجتمع الدولي موجبة بما يساعد القرار على تحسين الاوضاع الاقتصادية.
وأوضح ان الآلية التي تضمن عدم عودة السوق الموازي تكمن في عدم تحويج المواطن له، واضاف ان السعر السائد هو سعر السوق الموازي وسعر البنك، وبالتالي بفتح المجال لسعر موجود في كل مكان لن تكون هنالك حاجة للعودة للسوق الموازي، مبيناً ان دعم الفرد بالاسرة يصل الى (٥) دولارات شهرياً، واعتبره معقولاً لامتصاص جزء من ضغط الاسعار، مؤكداً ان التهريب لديه تكلفة والقرار يحد منه، معلناً عن مضيهم في إنشاء بورصة للذهب وسلع الصادر جميعا لتكون الدولة قريبة من المنتجين ليكون العائد لهم مباشرة دون الوسطاء والسماسرة، عبر الجمعيات التعاونية لسلع الصادر، لافتاً الى أن اغلب مدخلات الإنتاج معفية من الضرائب والجمارك. وتعهد بالنظر في تأثير توحيد سعر العملة في مدخلات الإنتاج.
وارجع تأخر انطلاق برنامج الدعم المباشر لعدم توفر المعلومات عن الأسر، واضاف ان الجهات الداعمة اشترطت توفير معلومات كافية عن الأسر وتأخرت أجهزة الدولة في توفيرها، مؤكداً قطع اشواط غطت جزءاً كبيراً من المواطنين، واضاف ان انطلاق البرنامج سوف يشجع المواطنين على توفير المعلومات المطلوبة والمضي به للإمام. وقال ان المشكلة الأساسية في زيادة الإنتاج وكيفية إضافة القيمة له بدلاً من تصديره خاماً.
دواعٍ كثيرة للقرار
ويقول محافظ بنك السودان محمد الفاتح زين العابدين، ان للقرار دواعي كثيرة، وكان لا بد منه فهو ضرورة قصوى لإصلاح المسار الاقتصادي في البلاد، لافتاً الى أن الاقتصاد يعاني من اختلالات هيكلية كثيرة داخلياً مثل عجز الموازنة وخارجياً اختلال ميزان المدفوعات، وأوضح أن ملامح هذه الاختلالات ظهرت في ارتفاع معدلات التضخم وتعدد أسعار الصرف بجانب تدني سعر العملة المحلية، واضاف قائلاً: لذلك كان لا بد من إجراء جراحة وتوحيد سعر الصرف لتوحيد جميع الموارد في الإطار الرسمي، مبيناً ان سعر الدولار الرسمي بواقع (٥٥) جنيهاً لم يكن مطبقاً، وكشف عن ان أكثر من ٩٠٪ من جميع المعاملات الخاصة بالعملة الصعبة كانت تتم خارج الإطار الرسمي، لجهة ان السعر غير مجزٍ، لذلك كان لا بد من توحيده، ونوه بأن الاختلالات نتجت قبل فترة بعيدة بداية باستمرار المقاطعة الأمريكية ووضع اسم السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب التي احدث تعقيدات في نطاق واسع جداً للدولة والقطاع المصرفي، الأمر الذي ادى الى انهيار العلاقات المصرفية وانحسار تدفقات استثمارات النقد الأجنبي وتحويلات المغتربين، وذكر ان السودان حالياً يستشرف عهداً جديداً عقب ثورة ديسمبر المجيدة وتوقيع اتفاقية السلام في جوبا، بجانب الانفتاح على العالم الخارجي، وكان لا بد من اتخاذ هذه الخطوات عقب رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب لتصحيح المسار.
وأعلن أن الحكومة لن تدخل في تحديد السعر إدارياً، واضاف ان امس ــ اليوم الاول لتطبيق القرار ــ قامت البنوك التجارية والصرافات وهي مسموح لها، بتحديد سعر الصرف الذي يمكنها من التعامل به بناءً على رؤيتهم للسوق، وفي نهاية اليوم تأتي البنوك بالراوجع الخاصة بها لحجم التعاملات، إضافة للاسعار التي تم تطبيقها ليحدد منها السعر التأشيري الذي يحدد السعر الرسمي للحكومة، ليتم ارساله للبنوك التجارية صبيحة اليوم التالي، مع تحديد نطاق لتتحرك فيه الحكومة قابل للتغير حسب الظروف والمتطيات الحالية، وعزا اتخاذ القرار لتحويل جميع موارد النقد الأجنبي من السوق الموازي الى السوق الرسمي وتحفيز المنتجين والمصدرين والقطاع الخاص وتدفقات الاستثمار الخارجي التي كانت محجوبة عن السودان نسبة لأن سعر الصرف لم يكن مجزياً، اضافة لتطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي وبما يضمن استقطاب موارد وتدفقات للمنح من الشركاء والأصدقاء والمانحين، والحد من تهريب السلع والعملات ومنع المضاربات في السوق المحلي لوجود فجوة بين السعرين الرسمي والموازي، وقال ان القرار يفتح الباب واسعاً لاعفاء ديون السودان، واضاف ان دولاً اقل مقدرة سبقت البلاد لبرنامج الدول الفقيرة المثقلة بالديون واستفادت منه كثيراً، مؤكداً ان البنك المركزي سوف يراقب من وقت لآخر جميع التطورات التي تحدث في القرار من ارتفاع الاسعار، وسوف يتدخل في الوقت المناسب لتصحيح المسار، معلناً ان البرنامج سوف يصاحبه إطلاق منشورات والضوابط التي تحكم التعامل في البطاقات العالمية التي تسهل التعامل مع العالم الخارجي وتقلل التعامل بالنقد الأجنبي خلال الأسبوع الحالي.
ووصف البرنامج بأنه وطني، نافياً وجود شروط عليه وانما وجود تحفيزات في حال تطبيقه ويفتح آفاقاً جديدة للبلاد من تدفقات للعملة الصعبة من الجهات الخارجية، وفي ما يتعلق بتأهيل البنوك لتحديد الأسعار قال انه سوق داخلي لسعر سائد، وإن البنوك مؤهلة تماماً لجهة ان الطلبات تأتي إليها، لافتاً الى ان تأهيل البنى التحتية للبنوك للتعامل الخارجي ذهب خطوات بعيدة واثمر عن نتائج تظهر قريباً.
واكد ان القرار ليس تعويماً وانما هو السعر المرن المدار، مبيناً ان الفرق ان التعويم لا تتدخل فيه اية جهة عكس المرن المدار الذي يقوم بوضع نطاق يسمح فيه البنك المركزي للبنوك بالتحرك فيه بناءً على تعاملات واسعار، ولوح بشروع البنك في مراجعة شاملة لسياسات الصادر وإجراءاته، لافتاً الى أن المجال مفتوح لجميع البنوك في الداخل والخارج، داعياً البنوك التجارية العالمية الكبيرة للدخول في المجال بإمكانات.
واعلن توريد مبالغ المانحين المخصصة للدعم الاسري في حسابات ووزارة المالية بالعملة المحلية لانطلاق البرنامج، مشيراً الى صدور قرار قبل ثلاثة اشهر باتباع النظام المصرفي المالي المزدوج، وتكونت لجنة عليا لإدارة البرنامج برئاسة البنك المركزي، وعقدت ستة اجتماعات شملت جميع القطاعات المتأثرة، وحالياً على وشك اكتمال التوصيات التي سترفع الى مجلس الوزراء، وشدد على ضرورة تحديد المبالغ للمسافرين والمرضى في هذه المرحلة، واضاف أن هذه السياسات عرضة للمراجعة واصدار قرارات جديدة حسب المسار.
قرار صعب
وزير التجارة والتموين والتعاون علي جدو آدم بشير، أكد أن الحكومة تعي بأن القرار صعب، الا أنها تتوقع آثاراً إيجابية، لافتاً الى ان الوزارة سوف تتخذ الإجراءات الكفيلة التي تخفف وطأة الآثار الصعبة على المواطن، متمثلة في برنامج سلعتي الذي من خلاله يمكن توفير السلع التموينية كافة لجميع المواطنين والتوفيق ما بين برنامج سلعتي والتعاونيات باسعار معقولة، مؤكداً وضع سياسات لتشجيع الصادر بالتنسيق مع جميع الجهات المختصة، بجانب اتخاذ الوسائل الكفيلة لضمان عودة حصائل الصادر لبنك السودان المركزي عبر تكوين آلية لذلك، الأمر الذي وصفه بالمشكلة الأساسية، وقال: لن نسمح لاية شركة او اسم عمل او شخص مصدر بعدم إعادة حصائله للسودان، لافتاً الى وضع سياسات لترشيد استيراد السلع الكمالية بالتنيسق مع وزارة المالية والجهات الأخرى، مع مراعاة الاتفاقيات الإقليمية والدولية، لجهة ان البلاد في مرحلة الانضمام لمنظمة التجارة العالمية في إطار التوجه العام للاندماج مع العالم.
وفي ما يخص توفير السلع للمواطن اشار الى وجود الشركة السودانية للسلع الاستهلاكية التي بموجبها يتم تسليم جميع السلع من المصانع وتوصيلها للمواطن بأسعار مناسبة، مؤكداً جدية الحكومة في توفير جميع السلع باسعار معقولة وبكل جدية وحسم وبهامش ربح بسيط للشركة، لافتاً إلى التنسيق مع الجهات المعنية لضبط عملية الصادر، واكد الالتزام بسير عملية الصادر وفق الضوابط الموضوعة دون مجاملة، وهدد بعقوبات رادعة للمخالفين، وكشف عن اهدار ملايين الدولارات خارج بنك السودان وقد حصرتها مباحث التموين، ولوح بالكشف عنها للرأي العام ومن يقف وراءها لحسمها.
المصدر: صحيفة الانتباهة