حوار:هويدا حمزة
اشتكت الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر دكتورة عفاف أحمد من تماطل الشرطة في توقيف المتهمين بنهب موارد الجمعية رغم فتح البلاغات قبل أكثر من 4 أشهر وتمليكها بيانات المسروقات والسارقين. وقالت عفاف: (لا نعتقد أن الأجهزة الأمنية ستقدم لنا الدعم في هذا الصدد)، وبينت أن سيارات الجمعية كانت توزع كما يوزع البلح في العقد، مبينة أن أموال الهلال الأحمر لا تسقط بالتقادم ولا سقوط النظام لأنها لم تأت للحكومة.
وفي سياق آخر دعت عفاف الحكومة لفتح الباب لعودة المنظمات الطوعية بالشروط التي تراعي السيادة الوطنية وإلزامها بالأغراض التي جادت لأجلها.. التفاصيل في الحوار أدناه :
]الهلال الأحمر إمبراطورية الرجل الواحد، فالأمين العام هو الذي بيده المال وهو من يعين ويفصل.. الخ وهذا مدعاة لفساد كبير كما حدث في عهد الأمين السابق؟
ــ فعلاً هو الذي بيده مقاليد الأمور ولكن غير مطلقة لكن الآن أنا قننتها، والافتراض أن الشخص الوحيد الذي بيده السلطة والثروة هو الأمين العام، فالهلال الأحمر مقسوم إلى قسمين شق برلمان وفيه المتطوعون ويأتي بتصعيد من القاعدة حتى يصل للرئيس ونائب الرئيس والإدارة، والأمين العام هو الشخصية التي تقوم مقام رئيس مجلس الوزراء باعتباره الشخصية المنوط بها كل الأعمال الإدارية الأموال والموارد البشرية وغير البشرية والأصول، لذلك عبارة (إمبراطورية الرجل الواحد) ليست صحيحة ما لم يكن هو يريد أن يكون الإمبراطور، فيغطي على الأشياء بتلك الصورة المزعجة، وعموماً هو المسؤول عن كل الفروع والإداريات ومدير الفرع بمثابة والٍ.. صحيح الهلال الأحمر جمعية سودانية ولكنها عالمية، فالمبادئ السبعة للهلال الأحمر تبدأ بالإنسانية وتنتهي بالعالمية.
]طالما أن الأمين العام هو الذي يعين ويفصل فالرقابة الداخلية قد لا تكون فاعلة خوفاً على الأرزاق مثلاً؟
ــ في الحقيقة كانت شبه مستحيلة لأنه كان هناك تماهٍ بين جسم البرلمان الذي ذكرته والأمين العام (رئيس مجلس الوزراء) يتمثل في أن منصب الأمين العام توصي به اللجنة المركزية، وهي اللجنة التنفيذية لجسم البرلمان الكبير، وإذا افترضنا أن الجسم أوصى بشخص ليس أهل لذلك الموقع، فالبضرورة أن تكون هنالك مؤشرات لأن تتماهى هذه الأجسام مع بعض ولا تحاسب بعضاً لأنهم عينوا شخصاً ليس أميناً، وهذا ما حدث، فقد كانت هناك أشياء النفس السياسي فيها عال جداً، وهذا ممنوع ومحرم حسب المبادئ السبعة، وهذا كان يمارس بصورة قوية جداً، فالأمين العام السابق كان تعيينه سياسياً، ومن ثم كان لا يستطيع أن ينفك أبداً من أيدي الذين أتوا به، فأملوا عليه كل الشروط، وبالتالي كانوا يتماهون في سوء استغلال الموارد، او أن الأمين العام يحاول إخفاء أشياء عنهم وإذا حاولوا التسلط أو التنمر عليه (يكون ماسكهم من يدهم البتوجعهم)، مثلاً هنالك سبعة أعضاء، فإذا سيطر على أربعة منهم فأعطاهم أربع سيارات (عطاء من لا يملك لمن لا يستحق)، فهذا يفتح كوة الفساد، فإذا سكت الأربعة فله مطلق الحرية ليفعل كل ما يشاء فيعين من يريد، وقد يكونون ضعفاء جداً فيمتلكهم، أو كانوا سهلين جداً فيرشيهم، أو لأنهم لا يستحقون المواقع التي عينهم فيها ولا يستحقون المرتبات الكبيرة والسفريات والتدريب الخارجي الكثير وكمية بدل السفريات التي كانت تأتي بكميات مهولة، وقبل الكورونا كان بعضهم يسافر لبلدان لم يسمعوا بها ولم يشاهدوها في الخريطة، وأقل نثرية كانت (300) دولار في اليوم، فإذا كانت مدة السفرية (15) يوماً مثلاً يأخذ الواحد منهم (4500) دولار بخلاف السكن والإعاشة والتسوق وغيرها، وهذا يتطلب بالطبع أن يعين من يقفل نفسه عليهم، فإذا أفسد في الأرض لا يستطيعون أن يقولوا له (تلت التلاتة كم)، وبما أن الأمين العام هو من بيده التعيين وأي شيء فهذه كانت أكبر بؤر من بؤر الفساد (يشوف مثلاً اثنان من المتطوعين يفتح ليهم مركز ويخليهم يستمتعوا)، مع العلم أن أموال الهلال الأحمر لم تأت للمتطوعين بل للمساكين والمحتاجين المتضررين من الأمطار والسيول والأمراض والمشردين اثناء الحروب ووقعت لهم مآسٍ، وقد كانوا يظنون أنها أموال المتطوعين، والآن نحن نعاني من حرب قوية جداً لأنه كان محتكراً لأشخاص محددين لهم ولاء كبير جداً لحزب محدد، وهم يحمون بعضهم حتى الآن، ومازالوا يحاربوننا على أساس أننا نقوم بتفكيك القيم، والحقيقة أننا نجمع القيم والمبادئ ونعيد للجمعية سمعتها لنعيد الموارد المنهوبة التي لا تستطيعين عدها وقد وضعنا يدنا عليها .
]كم حجمها؟
ــ لا استطيع حصرها مليارات، مئات السيارات (بعض الموظفين جاءوا على ظهر دراجات والآن يمتلك الفرد منهم على الأقل (5) عربات برادو وكم مزرعة وكم نقطة مياه وكم عمارة في مكان يؤجرها كشقق ودكاكين)، وهو شيء لا يصدق، مثلاً هنالك (5) موظفين يفترض أن يحاسبوا بقانون (من أين لك هذا ؟).
] أين يوجد من تتحدثين عنهم الآن؟
ــ موجدون داخل الجمعية.
] لماذا لم يفصلوا.. وهل فتحتم بلاغات في مواجهتهم؟
ــ لأننا مازلنا نبحث، وبعضهم فتحنا ضدهم بلاغات لأنه كانت لدينا مداخل عليهم، وهي بلاغات عديدة جنائية وفي الثراء الحرام والمال المشبوه، لدرجة أنني حفظت المواد التي فتحنا بلاغات تحتها .
]إلى أية مرحلة من مراحل التقاضي وصلت تلك البلاغات؟
ــ بكل اسف لم نستطع الوصول لأولئك البشر رغم أننا فتحنا بلاغات بواسطة محامين شرفاء، فهل هذا قصور من الشرطة؟ ولا نريد تسميتها بالاسم الثاني .
]ما هو الاسم الثاني؟
ــ لا أريد ذكره لأنه اسم قبيح جداً والناس (بكونوا عارفنه) نحن فتحنا بلاغات قبل أكثر (4) أشهر بعدد العربات وأرقام الشاسيهات والماكينات وأخبرناهم عن اسمه ومكان سكنه ومناطق تجواله، وأنه يغير هاتفه كل يوم، ولديهم القدرة على إحضاره بالـ (جي. بي. أس). ولم يحضروه فماذا نسمي ذلك؟ قصوراً أم عجزاً (ولا حاجة ثالثة) فإذا كان قصوراً فعلى الأمن السلام وإذا كان (حاجة تانية) فهل ننادي مدير الشرطة أم نرفع السقف فنخاطب وزير الداخلية؟ فنحن كهلال أحمر نعتقد أننا لن نجد الدعم المناسب من الجهات الأمنية التي ستعيد إلينا الموارد المنهوبة والموثقة التي نملك الأدلة عليها لأننا لا نتهم الناس جزافاً، قبل أن نأتي كانت هنالك بلاغات مفتوحة ضد سلفنا في نيابة الثراء الحرام والمال المشبوه، وبعد فترة وبقدرة قادر تحول البلاغ رقم (52) في 2019م المفتوح تحت المادة (177) خيانة الأمانة، تحول إلى المال العام، واستدعونا فيه كأمانة عامة رغم أنه كان مفتوحاً في مواجهة شخص هو الأمين العام وليس في الجمعية، ووجدنا البلاغ وعملنا منه قصة طويلة، وقلنا لهم نريد أن نعرف من فتح البلاغ في مواجهتنا والعربات تخصنا فكانوا بسألوننا عن الـ (48) سيارة .
]يعني ضربني بكى وسبقني شكا؟
ــ بالضبط والمتحري يقول لي (المفروض أنتي تمشي وتجيبي لي المعلومات دي) تخيلي؟
]من الذي فتح البلاغات؟
ــ سألت المتحري ذات السؤال، فقال إنها لجنة تفكيك التمكين، فاتصلت باللجنة في الحال، فقالوا إنهم لم يفتحوا أية بلاغات ضدنا لأنهم يعتبروننا لجنة للبحث عن موارد الهلال الأحمر واستردادها لأنها ليست أموال دولة، والحكومة لا تستطيع التنازل عنها إطلاقاً لأنها قادمة من الصليب الأحمر الدينماركي والسويدي والبريطاني، وأصحابها لن يسكتوا، ومن ثم من يعتقدون أنهم اختفوا ويتوقعون العودة إلى الماضي نبشرهم بأن (الفايلات) ذهبت لحكومة السودان وجنيف ولمكتبنا في نيروبي، وهي أموال لا تسقط بالقدم ولا بسقوط الحكومات والأنظمة، ولن نسكت عليها حتى لو صرنا خارج المنظومة، فهذه أموال تسود وجهنا عالمياً لأنها لم تأت للحكومة بل للمساكين ومهيضي الجناح.. سيارات إسعاف وأموال لفتح مستشفيات، وبكل أسف تلك السيارات كانت توزع كما يوزع البلح في العقد، هذه للفكي فلان وتلك للناظر فلان وهذه للعمدة فلان! هذا كان شكل التماهي بين (البرلمان ومجلس الوزراء) لأنهما كانا صنوين، وقد كانت تلك الموارد بالنسبة لهم مباحة و (ما عندها أهل)، وهذا أمر خطير جداً في الهلال الأحمر ولا تتدخل وزارة المالية .
]لماذا لا تتدخل المالية؟
ــ لأنها جمعية سودانية عالمية مستقلة تبعتيها لجنيف ولديها نظام إداري مختلف ورقابتها المختلفة، لكن إذا احتجنا للمراجع العام نفتح له أبوابنا ليراقبنا ويحاسبنا.
]إذن من يراقب الهلال الأحمر؟
ــ لدينا أكثر من شريك، مثلاً الصليب الأحمر لديه شراكة معنا لفترة (5) سنوات، وفي كل سنة لديه مراجع، وأيضاً يلزمنا بعمل مراجع داخلي معتمد، ونفتح له كل التقارير لأنه صاحب هذه الأموال، ونحن شركاء معه في التنفيذ والأداء، وهم أيضاً مراقبون من جهات أخرى ودافع الضرائب لن يسكت عنها. ولدينا مراقبات دقيقة ما لم تكن لدينا درجة من الفساد تسمح لنا بتجنبها بطريقة ما. وأحياناً الناس يسكتون بسبب (قدسية) الهلال أو الصليب الأحمر والخوف من تشويهها، ولكن هذا ليس تشويها بل إزالة التشويه، وقد بدأنا فعلاً في إعادة الثقة للجمعية، ونحن (مافي زول بقدر يشترينا) ونأخذ 7٪ فقط من أموال المانحين والتسيير (مرتبات سكرتاريا وعمال نظافة.. وبعض الخدمات التي نقدمها مجاناً لأنه ليست لدينا مصادر دخل. وحريصون جداً على ان تعرف الناس (أية تعريفة جات من وين وصرفناها في شنو أو فضل منها كم)، وسنعلن ذلك في مؤتمر صحفي كدرجة عالية من الشفافية لنصعب على من يأتي بعدنا أن يلج إلى أبواب الفساد .
]تمجدين أنفسكم كأنكم أتيتم من المدينة الفاضلة؟
ــ نأمل أن نكون من المدينة الفاضلة، ولقدسية الهلال الأحمر وحساسيته فإننا نعمل الف مدينة فاضلة، لأن هذه أموال تأتي لمساكين، وأحياناً الحكومة لا تعثر عليهم وهم لا يعثرون على بعضهم.
]سابقاً تم إيقاف بعض المنظمات الطوعية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر باعتبارها تمارس أعمالاً استخباراتية.. هل كان ذلك صحيحاً أم وراءه أسباب أخرى؟ وهل عادت تلك المنظمات؟
ــ إحدى تلك المنظمات اسمها (سودو) وهي منظمة سودانية، ولكن لأنها كانت توعي الناس بحقهم كبني آدمين في الماء بطريقة متطورة جداً، وهذا جعل المانحين في أمريكا والغرب يدعمونها بمنح عالية جداً، رجعت الآن وكانت الجاسوسية هي التهمة العظمى التي يمكن طرد منظمة بها، وهذا ما حدث مع (سودو)، فهي لم تكن جاسوساً ولكنها منظمة وطنية توعي الناس في بؤر النزاعات، وتخطت كل المنظمات الأجنبية، وخلق الوعي كان مزعجاً جداً للنظام السابق، وبقية المنظمات الأجنبية لست متأكدة (منو الرجع ومنو الما رجع)، ولكن يفترض أن ترجعهم (هاك) مفوضية العمل الإنساني. وعلى حكومة السودان أن تفتح الباب لعودتهم بالشروط التي تراعي السيادة الوطنية والالتزام بأهدافها التي جاءت لأجلها، فهنالك كمية خروقات يجب ألا تقع من تلك المنظمات.
]هل لديك خلفية سياسية؟ وما هي المعايير التي أهلتك لهذا المنصب؟ ومن سعى لتعيينك؟
ــ شكراً كتر خيرك.. هههه. أنا لست سياسية وهذه أحد أهم مؤهلاتي. ولم أنتم لحزب سياسي طوال عمري. وكانت هناك منافسة حادة لاستقطابي بين اليمين واليسار، وأنا شخصية (كارزماتية) وهذه هبة ربانية لم أرد بيعها والانضمام لحزب سياسي لأنه سيحجمني وأنا (زولة متمردة)، وهذا التمرد وظفته إيجاباً ليكون لدي تنوع ومعرفة في كل الأشياء سياسة طب.. صيدلة.. وكل ما يمكن أن يطور حياتي فأستفيد وأفيد، ثانياً كانت لدي علاقة بالهلال الأحمر السوداني منذ 1988م حتى 1992م، فقد كنت موظفة في الجمعية شابة ونشيطة، وكانت لدي طموحات عالية لأنني أحب العمل المجتمعي والانفعال والتفاعل مع الناس، وأحب المخاطر كذلك، ولم يكن سهلاً العمل في الجمعية وقتها وسافرت كثيراً.. والهلال الأحمر ساهم في بناء مقدراتي على مدى (4) سنوات، وعندما أتت الإنقاذ حاربوني حرباً شعواء لأنني لست كادرهم ولا يريدون تلميعي، فقال لهم أحد الإسلاميين (هي ما محتاجة تلميعكم، هي لامعة لدرجة أغشت أبصاركم عشان كده أنتو ما عاوزنها)، وبقيت في الهلال الأحمر (4) سنوات مثمرة سنوياً، ومن الهلال الأحمر الفنلندي شهرياً تصلني (45) الف دولار و (45) الف دولار من الهلال الأحمر الكندي، وتسلمت خلال هذه الفترة (5) سيارات لاندكروزر. واليونسيف دعمني كثيراً في برامج التوعية والرعاية الصحية للسيدات والأطفال. وكان عدد المتطوعين عندما جئت (4) آلاف في الخرطوم، وبمساعدة الآخرين عملنا (28) الف متطوع خلال (6) شهور، وبالتالي أحد مؤهلاتي (أني بعرف البيت ده).
]يعني عشان الكيزان شالوك القحاتة جابوك؟
ــ أبداً.. هم ظنوا أن الهلال الأحمر نهاية الدنيا لأنه كانت هناك (4) سيارات ومرتب (1420) دولاراً وقتها، ولكن أنا لم انكسر، فذهبت للأمم المتحدة بعد أسبوع واحد وعملت في اليونسيف وكنت مدير مكتب لست سنوات. ثم عملت بعد ذلك في اتحاد جمعيات الهلال والصليب الأحمر في جنيف لمدة سنتين، وكنت مفوضاً إقليمياً في نيروبي ثم في منظمة بريطانية ثم في لندن. وتلك كانت تجربة ممتازة بالنسبة لي، ولكنها منهكة خاصة السفر الطويل، فتعبت وقلت أحسن أرجع السودان، فرجعت سنة 2008م وعملت حرة ثم عملت بجامعة الخرطوم في معهد أبحاث السلام، وقابلت معظم ناس هذه الحكومة، ولم يجمعوا علي لأن الكيزان شالوني، ولكن لأنني أعرفهم ويعرفون مقدراتي، وكانوا يبحثون عن شخص بمواصفات مختلفة حسبما ذكر لي مانيس، وكانت لدي الخبرة والرغبة لدفع ثمن سنوات طويلة غبتها عن الوطن، وعندما نادوني ترددت خاصة لأنني مريضة بالسكري، لكن وافقت لأدفع ثمن الغياب، وقد اكتشفت أن هذا الوطن مخترق من أبناء جلدته، وربنا يقدرني .
المصدر: صحيفة الانتباهة