الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل
تزعم بعض مكونات قوى الحرية والتغيير عدم إعمال التيار الإسلامي الوطني المراجعات الفكرية والسياسية لتجربة الإسلاميين في الحكم، وهذه محض مزايدات شعبوية، ونزوع في الهوجة الثورية المضرة لمشروع الثورة السودانية، فتجربة الإنقاذ منذ بزوغها في يونيو 1989،كانت في حالة إرهاق فكري وسياسي خلاق في التعاطي مع فقه الثورة وصناعة النموذج الوطني الديمقراطي شراكة مع القوى السياسية الوطنية وذلك لإدراك الإسلاميين استحالة ادارة السودان أحاديا، وتمظهرت حالة التنوع السودانوي في مجلس قيادة الثورة العسكري، وفي تشكيلة الجهازين التشريعي الانتقالي، والتنفيذي،بل فإن التخطيط للخروج الكلي للتنظيم الإسلامي الوطني في ثوبه القشيب كان سيتم بعد عودة الحياة الديمقراطية توافقا مع القوى السياسية الوطنية ولذلك منذ يوليو 1989 بدأت حكومة الإنقاذ التواصل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان لإنجاز السلام وتحولها لحزب سياسي داعم للتحول الديمقراطي، لأن العمل المسلح فزاعة لاستمرار القبضة الأمنية، ثم انطلق مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اكتوبر 1989،واستمر لمدة عامين وشاركت في فعاليته اغلب القوى السياسية الوطنية، ومجموعة من الانتلجنسيا الأكاديمية، والتكنوقراط.
ان احجام القوى السياسية الوطنية عن التفاعل الفكري والسياسي مع بروسيس التحول الديمقراطي، واختيارها المنازلة والمناجزة بالسنان أدى إلى انكماش العقل الفكري والسياسي داخل نظام الإنقاذ، واشتداد قوة التيار الأمني السلطوي وبدأت حالة الانحرافات الفكرية والسياسية عن مشروع الثورة والتغيير الديمقراطي تحت زرائع الطواريء الأمنية والسيولة الاجتماعية حتى اتسع الخرق على الراقع، وتمايزت تيارات الفكر والانتقال الديمقراطي عن تيار الكنكشة في السلطة.
لو اختارت القوى السياسية المعارضة(المدنيةوالمسلحة) مبدأ الهبوط الناعم خيارا استراتيجيا منذ البدايات، ولو اختارت الأحزاب والتيارات التي خرجت من رحم نظام الإنقاذ مبدأ التدافع الفكري والسياسي الصبور والدؤوب من داخل مؤسسات نظام الانقاذ لاكتمل مشروع التحول الوطني الديمقراطي ووحدة السودان، خاصة أن مشروع الإنقاذ في الحكم لم يكن مغلقا بل فتح مسارات التحالفات والشراكات مع معظم القوى السياسية المدنية والمسلحة، وهنا يتبدى الاستدراك الأهم وجوهره مدى جدية الطبقة السياسية السودانية عبر التاريخ في التعاطي الاستراتيجي مع مفاهيم الثورة والتغيير وقضايا البناء الوطني!!! هكذا مفاهيم تقتضي تشكيل أحزاب حديثة، وبروز أجيال قيادية جديدة فهل القيادات السياسية التاريخية على استعداد للترجل من زعامة الظل الثقيل؟؟
عودا على بدء، كانت من موجبات تمايز وانفصال أحزاب وتيارات التغيير والتحول الديمقراطي عن تيار السلطة داخل نظام الإنقاذ، التحالف مع القوى السياسية الوطنية والشارع السوداني العريض، ونتج عن ذلك تكثيف الضغوط على تيار الكنكشة في السلطة، مما اضطر هذا التيار مسايرة شعارات الاصلاح والتغيير والتحول الديمقراطي تكتيكا، ومع صيرورة سيادة ثقافة التغيير والاصلاح تنامت قوة تيار الاصلاح داخل المؤتمر الوطني، وانكمش تيار السلطة فوقيا مما اضطره إلى تأجيل المؤتمر العام للحزب الحاكم السابق وإرجاء التعديلات الدستورية الهادفة لإعادة ترشيح رأس النظام في انتخابات 2020.
عندما ازفت اللحظة التاريخية للثورة السودانية تلاقت إرادات التغيير بين المجتمع والقوى السياسية الوطنية ، والتيار الإسلامي الوطني، وتيار التغيير والإصلاح داخل حزب المؤتمر الوطني، (واكتملت عملية النضج الثوري)، فكان الأجدر اجتراح عبقرية اتفاق ومساومة تقضي باستمرار هذه الشراكة الاستراتيجية بين كل هذه القوى السياسية حتى غرس النموذج الوطني الديمقراطي
ان رفع التيار الإسلامي لغطاء المشروعية عن النظام السابق، وانحياز القوة الصلبة للنظام(اللجنة الامنية) لثورة ديسمبر المجيدة يؤكد أن ايديولوجيا القضايا الوطنية غدت هي الثابت الاستراتيجي الوحيد للتيار الإسلامي،ويؤكد فاعلية تأثير الإسلاميين في الثورة السودانية، واستحالة اقصاءهم وعزلهم من بعض (نشالي الثورة) ، وهذا يستدعي الزحزحة من الحالة الصفرية الماثلة للتعاطي مع فقه الثورة ومهام الانتقال، والتحول الديمقراطي المستدام، ولن يتأتى ذلك إلا بإنهاء الخصومة وحالة الاستقطاب الحادة، وإيقاف شيطنة الإسلاميين، والدخول في حوار استراتيجي هادف وبناء ومستمر بين قوى الحرية والتغيير والتيار الإسلامي الوطني، يقضي بالاعتراف بأصالة الإسلاميين في الثورة السودانية، واتاحة الحرية لاطلاق طاقاتهم الفكرية والسياسية لتصب في دعم استقرار المرحلة الانتقالية، وترسيخ المشروع الوطني الديمقراطي المستدام.
لكن ان اختارت قوى الحرية والتغيير الاستمرار في خطاب وسلوك الإقصاء والعزل، فهل تتحول فاعلية تأثير الإسلاميين إلى ثورة مضادة لهدم معبد الثورة والمشروع الديمقراطي على الجميع، ام ان هنالك مسارا ثالثا إيجابيا يمكن أن يلعبه الإسلاميون لإنقاذ مشروع الثورة السودانية؟؟؟
في المقال القادم نحلل ونعصف في هذا المسار بإذن الله.
The post السودان: عثمان جلال يكتب: حوار مع قوى الحرية والتغيير appeared first on الانتباهة أون لاين.