الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل
أذكر مسلسلاً أمريكاً كنت أتابعه بشغف كان بعنوان “mission impossible” اي مهمة مستحيلة، وكان العمل الدرامي المتقن يدور حول عمليات لوكالة الاستخبارات المركزية، ويُكلف أفرادها بأعمال فيها مخاطرة كبيرة، كتفجير منشأة عسكرية لدولة عدوة، أو سرقة معلومات استراتيجية محصنة، وهكذا من أنواع العمليات والمهام التي تحبس الأنفاس، ولكن كانت هناك عبارة دائماً تختم بها التعليمات “أنه إذا تم اكتشافكم أو ألقي القبض عليكم، فوكالة الاستخبارات المركزية لا علاقة لها بكم” وتمضي المجموعة الفدائية الاحترافية في المهمة، فتخوض المعارك الشرسة وظروف بالغة التعقيد، تنقلك حقيقة إلى الشعور بأن المهمة مستحيلة، ولكن بما أن المسألة كلها دراما فأن المهمة المستحيلة تتحقق ويعود الأبطال ويحصلون على الثناء والتكريم على النجاح، بينما كان سيكون نصيبهم التجاهل والإنكار إذا في فشلوا وألقي القبض عليهم وقد يحاكمون ويُعدمون ولن يتحرك لإنقاذهم أحد.
هناك كما يقول المثل السوداني ناس ماسكين في “شَطُرْ ميت” أي بالفصيح ضرع بلا حليب هو أن جهاز الأمن والمخابرات الوطني يجب أن ينحصر دوره في جمع المعلومات، من قال لكم أن أجهزة المخابرات يقتصر دورها على جمع المعلومات وتحليلها، وهذه نقطة نعود إليها، ولكن إذا سلمنا جدلاً بهذه الجزئية، ألا يحتاج جمع المعلومات هذا إلى صلاحيات، هل يعتقد هؤلاء أن جمع المعلومات هذا يشبه جمع التبرعات يجود بها المحسنون، لا يا هؤلاء الحصول على المعلومة الصحيحة التي يجب أن تقدم لصانع السياسات والتي قد يتخذ بموجبها قراراً يتوقف عليه مصير البلاد، يجب أن تكون معلومات عالية القيمة، قد يتطلب الحصول عليها المجازفة والتعرض للمخاطر على شاكلة “mission impossible”.
فجهاز المخابرات العامة لكي يقوم بدوره في جمع المعلومات الاستراتيجية المهمة والخطيرة وتحليلها، لإعانة صانع القرار لابد أن يتمتع بصلاحيات واسعة، وألا تلغى سلطاته المتعلقة بالاعتقال والتفتيش ولاستجواب باعتبارها مطلوبات متصلة تقود للمعلومات التي تحتاجها اجهزة المخابرات للقضايا الأمنية، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار، حالة السودان وما يتعرض له من تهديدات، في إشارة إلى موقعه الجغرافي ومحيطه المضطرب، وتحيط به ثماني دول كلها تقريباً تعاني من الاضطرابات الأمنية، وينعكس ذلك على السودان في اللجوء والنزوح، بما يجعله شاء أم أبى جزءاً من الصراع في تلك الدول، هذا إذا لم تتخذه العناصر المتصارعة ملاذاً تنطلق منه بعملياتها، الأمر الذي يجب أن يجعل عيون الأمن لا تنام ولا تغفل، وعليه يجب أن يكون للجهاز من الصلاحيات ما يمكنه من اداء واجباته الامنية بكفاءة واحترافية.
وعوداً إلى “الشَطُرْ ميت” هل هناك جهاز مخابرات في العالم تقتصر مهمته فقط في جمع المعلومات؟ هل تفعل ذلك وكالة الاستخبارات المركزية “CIA” وهل يقوم بذلك الموساد الإسرائيلي، ودعوني أوجه السؤال لمجموعة اليسار الناشطة في الحكومة والتي ينتمي إليها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك “وذلك باعترافه أنه كان عضواً في الحزب الشيوعي السوداني” هل تفعل ذلك الـ “KGB” سواء على أيام الاتحاد السوفيتي أو بعد سقوطه، ذلك الجهاز الجهنمي، الذي انتمى إليه معظم القادة الروس بما فيهم الرئيس فلاديمير بوتين، بل يرى بعض المحللين أن الرئيس بوتين أثرت الـ “KGB” حتى في مشيته، حيث يحرك يداً واحدة والأخرى تكون ثابتة إلى جنبه، لتكون قريبة من المسدس. ومن أراد أن يعرف كيف كانت الـ “KGB” تدير عملياتها وماذا تفعل بالمعارضين فعليه بضربة غوغل…
بعض الدول التي تقدمت وتوفرت لها الإمكانيات طورت أجهزة مخابراتها إلى ما يمكن أن يسمى بالمنظومة الأمنية التي تتكامل أدوارها، ففي بريطانيا هناك “MI5” للعمليات الداخلية و “MI6” للعمليات الخارجية، وذلك رغم وجود “اسكوتلاند يارد” جهاز الشرطة القوي ذو الصيت الذائع، ولعل الأمر أيضاً هكذا في أمريكا حيث وكالة الاستخبارات الخارجية “CIA” للعمليات الخارجية ومكتب التحقيقات الفيدرالي “FBI” للعمليات الداخلية، والموساد وجهاز “الشين بيت” في إسرائيل….
فلو أردنا أن نبني دولة قابلة للحياة فينبغي حراستها بجهاز استخبارات قوي ومخابرات، يرصد تحركات أعدائها في الداخل والخارج ويكون له القدرة والإمكانية بالتحرك والعمل بصرورة استباقية تجهض ما يُحاك ضدها في مهده قبل أن يكبر ويستفحل، ثم يتطور جهاز الأمن والمخابرات الوطني مع الزمن ومع مطلوبات الدولة، والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والبيئة الجيوسياسية التي تحيط بالبلاد، وحتى يحدث هذا ينبغي الحفاظ على الجهاز بكامل إمكانياته وصلاحياته، ودعمه بكل ما يحتاج…
وينبغي الإشارة إلى أن جهاز الأمن والمخابرات الوطني قد تعرض إلى الكثير من التشويه وإشانة السمعة إبَّان العهد السابق، ونسبت إليه الكثير من الأعمال البشعة، وهو منها براءه، فكانت هناك القوى التي تعمل في الظل وتُنسب أعمالها إلى جهاز الأمن، بالطبع لا أجزم بأنه لم تكن هناك تجاوزات، ولكنني على يقين أنها فردية وليست سياسة ممنهجة…
فعلى السيد وزير العدل، وفي غياب الجهاز التشريعي أن يضطلع بدوره تشريع القوانين التي تسهم في تقوية الأجهزة الأمنية وفي مقدمتها جهاز الأمن والمخابرات الوطني، ليقوم بمهامه، لا أن يسعى لإضعافه، ويجب تجنب الخطأ الذي وقعت في قوى انتفاضة أبريل عندما قامت بحل جهاز الأمن القومي، فلم تعمر الديمقراطية والدولة المدنية سوى ثلاث سنوات وبضعة أشهر، فجهاز الأمن القوي مع الجيش القوي المهني مع الأجهزة الأمنية المنضبطة هي صمام أمان المدنية، وإلا فستدخل البلاد من جديد في تلك الدائرة الشريرة والعودة إلى نقطة الصفر والخاسر هو المواطن ومن ورائه الوطن….
كسرة :-
عزيزي المواطن صاحب الثورة، احتضان الوطن هو واجبنا جميعاً، فالثورة ليست مملوكة لشخص أو حزب أو جماعة، والعدلية والنظامية تعمل فيما يخدم متطلبات المرحلة.
The post السودان: علاء الدين محمد عثمان يكتب: جهاز المخابرات العامة .. لابد من السلطات appeared first on الانتباهة أون لاين.