
محمد التجاني عمر قش
تناولت الحلقة الماضية الجانب الاجتماعي لتأثيرات كورونا على المجتمع في كل أرجاء العالم، بيد أن التأثير لا يقتصر على الاجتماع فحسب بل سيطال كافة جوانب الحياة، مالياً أو اقتصادياً، وسياسياً وطبياً، وتعليمياً وعلمياً وثقافياً، وربما عسكرياً. وقد يكون هذا التأثير سلبياً في بعض الجوانب وإيجابياً في جوانب أخرى، كما يرى الدكتور حسن السلك، الأستاذ بجامعة القصيم؛ ذلك لأن كثيراً من الجهات المعنية سوف تعمل من أجل تفادي أو على أقل تقدير للحد من تداعيات هذا المرض القاتل، وربما تؤدي تلك البحوث إلى حلول ناجعة أو اكتشافات تفيد البشرية في هذا الصدد. أما الأستاذة سامية فضل خليل، من الدوحة، في قطر فلها وجهة نظر مفادها أن التواصل عبر الوسائط، مهما كان لا يمكن أن يكون بديلاً عن التواصل الاجتماعي بشكل طبيعي؛ خاصة وأن الاحترازات التي اتخذتها الدول للحد من انتشار الفيروس قد قلبت حياة الناس رأساً على عقب؛ ولذلك فإن فئات كثيرة من المجتمع ستكون بحاجة لإعادة تأهيل حتى تتأقلم مع هذا الوضع المستجد؛ خاصة وأننا لا نعلم على وجه الدقة متى تنجلي هذه الجائحة! وهي تطرح تساؤلاً عما إذا كان المقصود من صناعة هذا الفيروس هو خلخلة العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والأسر والجماعات؟ وإذا كان الأمر كما تشير سامية فقد نكون بحاجة لبحث معمق وواسع النطاق للخروج من حبائل هذا الفيروس اللعين. أما البروفسور معتصم إبراهيم خليل، الأستاذ والباحث المعروف بالجامعات السودانية والسعودية، فقد تناول الأمر بشيء من التفصيل في مقال له بعنوان: ” مدلولات وظلال مصطلحات جائحة الكورونا” أورد فيه ما نصه: “أحاط تفشى جائحة فيروس كورونا عالمياً اتهامات لجهات وشخصيات بارزة وصمت بالتآمر على البشرية بمؤامرة وصفت بأنها خطة محكمة طبختها النخب العالمية لفرض نظام عالمي جديد يتحكم في كل نشاطات البشر عن طريق زرع شريحة تحت مسمى لقاح، وما إطلاق فيروس كورونا إلا لإقناعنا بالمصل الجديد المنقذ. وهي خطة جندت لها أسلحة ووسائط داعمة بدءًا بتخليق فيروس قاتل قادر على التمحور والتشكل والانتشار عبر القارات مصحوباً بتوجيهات خادعة مسمومة وتصريحات تعمدت الإرباك وبث الذعر وذلك باستحداث مصطلحات لها مدلولات وظلال تهدف لأمر معد مسبقاً لاستعباد البشرية والتحكم في منهاج حياتها. وفى ظل هذا المشهد المرتبك المرعوب زخرت منصات التواصل بالآراء والتحليلات وكثر المتطوعون بإسداء النصائح الطبية والوصفات العلاجية احترنا فيما نعتمده منها، وانشغلت مراكز الأبحاث الطبية في كل بقاع العالم بإيجاد مصل أو علاج في حين تقاعست مراكز الأبحاث الأخرى عن دراسة الآثار الاجتماعية والنفسية لما صاحب الوباء من مصطلحات. لقد خطر على البال خاطرة مليئة بالإيحاءات الفكرية فسألنا: لماذا أطلق مصطلح “التباعد الاجتماعي” للوقاية من الفيروس بديلاً لمصطلح “التباعد الجسدي” الأكثر تعبيراً؟ الفيروس لا ينتشر عبر التقارب الاجتماعي إنما عبر التقارب الجسدي، ودلت دراسات علم الاجتماع أن الحياة البشرية تقوم أصلاً على عملية التفاعل الاجتماعي ومصطلح “التباعد الاجتماعي” ضد ذلك التفاعل، وفى الأوقات العصيبة تزداد أهمية الحفاظ على تواصل وتفاعل اجتماعي لرفع المعنويات مما يحسن ويقوي المناعة. إذن نحن في حاجة لمصطلح “التباعد الجسدي” بمعنى الحفاظ على مسافة جسدية تحقق الغاية منها. فإن صحت نظرية المؤامرة، فقد تعمدوا إطلاق ذلك المصطلح عن قصد لتحطيم أواصر العلاقات البشرية وإصابة الموروثات والثوابت الدينية في مقتل. فالإكثار من تداوله لا بد أن ينشئ ويغرس صورة سالبة مؤثرة مستقبلاً على سلوكنا الاجتماعي، لا غرو فقد بدأت ملامح ذلك السلوك بائنة في الجفاء الظاهر بيننا نخاف أن يوصلنا إلى تباعد مزمن وجفوة اجتماعية ليصبح العاقل من لا يصافح ولا يواصل الأرحام ولا يشيع الموتى. إذن إن استخدام هذا المصطلح يتماهى مع أهداف صناعة الفيروس وفق نظرية المؤامرة التي يجنح الكثيرون الاستعانة بها في تفسير هذه الظاهرة الفيروسية الشيطانية كما تم وصفها ورمز لمصلها بالرقم (666) الرقم الذي يرمز إلى الوحش الشيطاني في الإنجيل والتوراة كما يرمز إلى رؤوس نجمة داؤود الست مما يعزز الاتهام لعائلات يهودية سميت بأسمائها أنها من خطط ونفذ المؤامرة. فهل وسم المصل برمز الوحش إمعاناً في الرعب أم ماذا كان القصد يا ترى؟ وما صلة ذلك بخاصية التمام للعدد (6)؟ إلا أنه من المحزن والمخيف في الأمر هو تجاوزنا لخطوط حمراء لثوابت إيمانية بإطلاقنا لنكات تمس العقيدة اعتذارنا للشرطة أن الشيطان قد أغرانا بالصلاة في المسجد وظهور فئة “المساطيل” الذين يبلغون الشرطة عن المصلين في المساجد. علينا الانتباه، ويا حبذا لو نسمع من أهل الاختصاص رأياً لنواصل في نبش المصطلحات الأخرى.” والمخيف أكثر وما يثير القلق ألا أحد يعلم متى سوف تنطوي صفحة هذه الجائحة التي ألقت بظلالها المرعبة على حياتنا وأربكت خطط الحكومات والمنظمات والمؤسسات الخاصة والعامة حتى فقد كثير من الناس أرواحهم وأحبابهم ومصادر رزقهم جراء الإصابة بهذا الفيروس.