جميل جداً أن حولت الثورة (ثورة ديسمبر) ذكرى الانقلاب البائس (٣٠ يونيو) إلى لحظة عنفوان شعبي رافض ، لحظة مواجهة ضارية لانقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ ونتائج نزقه العابث بممتلكات الدولة ، خيراتها وشرايين الشعب وأجياله القادمة ، عندما أحنت هامتها أمام مجزرة الثالث من يونيو ٢٠١٩ (٢٩ رمضان) لما يقارب الشهر ليطلق ذلك الدوي المارد في وجهه صبيحة ذكراه الكريهة ويحول الزلزال مجازر معنوية تقتحم مخابئ اللجنة الأمنية فتصطك أطرافها و “كيزانها” على درجات لم يعرفها (ريختر) في مقاييسه :
فلا تحسبن المجد زقاً وقينةًفما المجد الا السيف والفتكة البكر
وضربك اعناق الملوك وأن ترى لك الهبوات السود والعسكر المجر
وتركك في الدنيا دوياً كأنما تداول سمع المرء أنمله العشر (والسيف هنا السلمية الجبارة وليس سيف أبي الطيب) ، فكان الدوي وكانت العودة المنصاعة ، وكانت الاتفاقات والبنود الدستورية وما هو معروف من “مقالب” الإجراءات و”الالتفافات” ..
الآن ، وقد أظلنا الدعاش من ٣٠ يونيو ٢٠٢٠ ، ننتظره و :
جميعنا ينتقد جميعنا ..
وجميعنا ننفض أيدينا عنا ..
كل منا يدين قوى الحرية والتغيير ويتهم أحزابها بأنها مشغولة بالمحاصصات والصراع على المناصب والنفوذ ويتوجه للجان المقاومة بالمدح والإشادة وأنها منتهى الآمال ومركب العبور إلى الانتصار .. حتى الأحزاب المهيمنة على المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير (افتراضاً) ، هي أيضاً تطالب بالإصلاح والتغيير ، فهل هي تعترف بأخطائها أم تتحايل على مطلب الإصلاح ؟؟ للإجابة على السؤال لا بد من الإشارة لحقيقة أولية بأن الأحزاب هي عماد الديمقراطية وعنصر ممارستها الأساسي الأول وهي القوى الفاعلة عملياً في قيادة التغيير وحركة التقدم ، صحيح للمفكرين ومشاعل التنوير دور هام ولكنه نظري ملهم .. والانتماء للحزب في مجتمعاتنا (مجتمعات العالم الثالث) هو تعبير عن الارتقاء درجات عن واقع المجتمع المتخلف وأمراضه العديدة ، مجرد ارتقاء درجة أو درجات ، ليمضي العضو في الارتقاء عن أمراض المجتمع باتصال عطائه وبتضحياته من أجل وطنه وفق قيم وأهداف حزبه ، إلى أن يقترب من الكمال (إذ لا كمال الا للخالق سبحانه) ..
طال عهدنا بالحضارة والرقي وابتعد كثيراً ، وطول العهد ذلك ختم سنواته الثلاثين الأخيرة بما يمكن أن نسميه “باطمئنان” أنه الأسوا في التاريخ البشري وليس تاريخنا لوحده مما جعل له فينا تأثيراً سلبياً واسعاً في الرؤى والاهتمامات والتطلعات الذاتية المليئة أنانيةً وحب ذات ..
فإذا تمعنا في الذي يسمي نفسه “المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير” نجد التاكيد على ذلك ، كذلك إذا تمعنا في المحتويات المختلفة للدعوات الصادرة بالخروج في ٣٠يونيو نجد التاكيد أيضاً ..
اختصاراً ، نريد أن :
أما الدعوات بالتظاهر في ٣٠ يونيو فهي مطلوبة ، ولكن يجب التفكير في : أهدافها ، وفي أماكن التظاهر (الساحات) ، ودراسة محاذيرها بعقل وتدبر .. فالتظاهر حق ديمقراطي أصيل، ولكن لماذا ؟ وضد من ؟
– ولا يجوز أن يكون ضد المكون العسكري مطالبين بإقصائه ، فمهما كانت سوءاته فإن موازين القوى فرضت بيننا شراكةً وفق وثيقة دستورية وضعناها معاً .. ولا معنى أصلاً لاستعداءه ..
نعم للتظاهر ، وإذا اتفقنا على المقترح أعلاه ، فليكن ذلك :
– مطالبها : استكمال بناء السلام ومؤسسات الحكم الانتقالي ، النظام القضائي والعدلي ، القوات النظامية والأمنية ، المليشيات ، المحاكمات ..الخ…الخ..
– التقيد الصارم باجراءات الوقاية من فايروس الكرونا واتباع تعليمات السلطات المختصة ..