اخبار السودان لحظة بلحظة

كوشيب هل استجار .. من الرمضاء بالنار ؟!(2)

انتهينا بالأمس عند وصول علي كوشيب الى بابنوسة .. وعلم السلطات بذلك .. ثم تحريك قوة مشتركة لاعتقاله من هناك .. فقد كانت المعلومات دقيقة بما يكفي لتحرك تلك القوة .. كما أن جاهزية القوة المشتركة وفعاليتها وسرعتها كانت كافية لبث التطمين الكافي لدى السلطات .. لانتظار الخبر السار في أية لحظة .. نذكر فقط أن النائب العام السوداني كان قد سبق الجنائية الدولية بنحو ستة أشهر .. حين أصدر أمر القبض على كوشيب وآخرين .. منذ ديسمبر الماضي .. وتشكل بالفعل فريق تنفيذ أمر القبض .. فماذا حدث في بابنوسة ..؟!
بحساب الزمن .. فقط ثلاثون دقيقة .. نعم نصف ساعة هي التي كانت تفصل بين كوشيب ومطارديه في ذلك اليوم .. فعلى غير العادة كانت المعلومات قد وصلته متأخرة .. ولم يكن يفصل بينه وبين إطباق القوة المشتركة عليه غير نصف ساعة فقط .. ولكنه أحسن استغلالها كأفضل ما يكون .. فحين تمكنت القوة من الوصول إلى موقعه .. متأخرة نصف ساعة .. بفعل تعطيل مفاجئ تعرضت له .. كان كوشيب قد تمكن من الإفلات .. أما بحساب الوقائع فلن تصدق وقد لا يصدق الكثيرون .. حقيقة ما جرى .. وقد يشتجر الناس .. كعادة السودانيين حول الواقعة الواحدة .. ما إن كانت متعمدة .. أم هي الصدفة التي تصنع أحيانا ما يفوق ما يمكن أن تفعله أفضل الخطط .. !
هل تذكرون تلك الحشود المحدودة .. التي كانت ولا تزال تنطلق كل مرة في مدينة من مدن السودان .. مثيرة غبارا كثيفا .. دون فعل يذكر على الأرض .. تحت مسمى الحراك الشعبي الوحدوي ..؟ حسنا .. في ذلك اليوم وفي بابنوسة .. كان ذلك الحراك يربك المشهد .. ويعطل مسار القوة .. ويتيح للمتهم علي كوشيب فرصة ذهبية لمغادرة موقعه .. قبل نصف ساعة فقط من وصول مطارديه .. ربما يكون من العصي الآن الزعم بأن الأمر كان مدبرا أو مخططا له .. لكن من السهل التأكيد على أن الصدفة تصنع الأهوال أحيانا ..!
ولكن من فعلوا به ذلك .. أو تسببوا في حدوث ذلك .. هل أحسنوا صنعا في الرجل ..؟ المؤكد أن لا .. فكوشيب الآن كالمستجير من الرمضاء بالنار .. فهذه قصة أخرى .. من المبكر قراءة سطورها وتقييمها بعد .. ولكن كوشيب حين وصل إلى تلك المنطقة الحدودية في افريقيا الوسطى والمتاخمة للسودان .. وحين وصل إليه النائب العام بأفريقيا الوسطى .. رفقة فريق من الجنائية الدولية .. واعتقاله ..
لم يكن ذلك بطلب من الأخيرة .. كما لم يكن برغبة صادقة من كوشيب بتسليم نفسه .. بل كان .. وفقا لبعض المصادر .. استمرارا للملاحقة السودانية بموجب مذكرة التوقيف الصادرة من النائب العام .. ولكن ايضا .. كل ذلك فصل قد انتهى .. وبدأ فصل جديد .. عنوانه حتى الآن عدة أسئلة .. عن انعكاسات الحدث .. وتداعيات الحدث .. وتأثير الحدث على بقية المطلوبين دوليا .. وعلى المشهد الدارفوري عموما .. وعلى الحكومة التي يقع على عاتقها الآن .. عبء الإجابة على بعض الأسئلة ..!
وبعيدا عن ذلك البيان الدبلوماسي الذي قدمه الناطق الرسمي باسم الحكومة عقب الإعلان عن توقيف كوشيب .. فثمة خطوات يبدو أنها .. ووفقا لوثيقي الصلة بالملف .. تفصل بين الحكومة ووصولها الى أي قرار نهائي .. أهمها .. تعديلات مطلوبة في بعض القوانين الوطنية .. ما زال البطء يخيم على إجراءاتها .. ثم سير مفاوضات السلام الجارية الآن وما ستنتهى إليها من نتائج .. ثم موضوع العدالة الانتقالية الذي لا يزال يراوح مكانه عند مستوى التنظير .. أما أهم الخطوات الحاسمة في رأي الكثيرين .. فهو رأي الضحايا .. وأخيرا يظل موضوع حسم مكان انعقاد المحكمة وطبيعتها عنصراً لا يقل أهمية عما سبقها من عناصر ..وكما يقول خبير قانوني ضليع .. فالعدالة حتمية لكنها مرهقة .. ويجب أن ندفع ثمنها جميعاً ..!

اترك رد