الأحياء ليسوا هم من يمشون بيننا في الأسواق.. أسواق السياسة، والإعلام، والعدة، والملابس القديمة!
الأحياء لسنا نحن، بل هم من قبروا تحت التراب، أو رقدوا تحت ماء النهر، في مثل هذا اليوم من العام الماضي.. أحياء في سيرتنا وحكاياتنا وتاريخنا وفرحتنا وحزننا.. يتنفسون بعمق في عالمهم، يبتسمون ويضحكون في زمن اللا بسمة واللا ضحك. يعيشون بفخر وعزة وشموخ، وأسماء لها صدى يهز الجبال: عظمة.. ماكور.. قصي.. وليد.. كشة، وبقية الزمرة الطاهرة والطهورة .
الأموات هم من في قصورهم العالية، وكراسيهم الوثيرة.. من خمدت ضمائرهم في ذلك اليوم، فصاموا عن الحلال وأفطروا بالدماء والأرواح، ثم ذهبوا إلى أهليهم يتمطون، ويحكون لأطفالهم حكايات العيد وفاطمة السمحة والغول، والشهامة، والرجولة والنخوة، قبل أن يموتوا ميتتهم الأبدية، ويقبروا داخل أنفسهم .
العدالة ليست لدى المحامي نبيل أديب، ولا لجنته.. العدالة تمتلكتها الأرواح الحية التي تطاردهم في حلهم وترحالهم، في صحوهم ومنامهم، وحين يسمعون كلمة “يا قاتل”، ويالها من مذمة، ويالها من لعنة.
نهاياتهم قد دنت.. يحسبونها بعيدة ونراها قريبة.
اليوم أو غدا أو بعده ..لا يهم متى، لكنها ستأتي، ويصعدون المشانق واحداً بعد الآخر، ويسقطون كما سقطت مشاريع استبدادهم وفسادهم .
العدالة هناك تنتظرهم في يوم الفزع الأكبر، حيث العادل الذي لن يظلم عنده أحد، وقد توجهت له أمهات الشهداء من أول لحظات الفاجعة؛ فماذا تقولون له؟
الأحياء هم ولسنا نحن.
والأموات هم القتلة المأجورون .
كل عام وأنت شهيد
كل عام وأنت حر
وبلادك حرة
صحيفة السوداني