اخبار السودان لحظة بلحظة

الطيب مصطفى ..( لن تسير وحدك )

في سنواتنا الأولى بصحيفة “ألوان” الغراء فوجئت بمن يقول لي إن الأستاذ حسين خوجلي يطلب حضورك إلى مكتبه.

ولمكتب حسين رهبة في أمسيات ألوان الجميلة، فعنده تجد العطر الفواح .. والشاي “الصاموتي”، وكثيراً من شهي الطعام .. وشهي الكلام ..

وقبل كل هذا كانت الدعوة لدخول مكتب حسين، وفي الأمسيات خاصة فرصة للتعرف على رموز السياسة ونجوم المجتمع وأقماره في ضروب الحياة كافة.

في مكتب الحسين قابلت وللمرة الأولى قاماتٍ سامقة في دنيا السياسة .. كان الحسين يقدمنا لهم بلطف لم أجده في غيره .. يقول لضيفه : دة أخونا الصغير فلان الفلاني .. جاءنا بكامل موهبته الصحفية من أركان النقاش بالجامعة إلى صالة التحرير بألوان !!

كانت أمسية تلك الدعوة مختلفة، عند دخولي المكتب وجدت الحسين مندمجاً في الحديث مع ضيف المساء .. فاجأني رئيس التحرير بأن أتفضل بالجلوس دون أن يطلب مني السلام على ضيفه كما جرت العادة، وفي ذات اللحظة قال لمحدثه : دة أخونا الصغير عبد الماجد .. أنا عايزه يحضر معانا الجلسة الخطيرة دي ويسمع كلامك ..

كان ضيف تلك الأمسية أحد رجال الأعمال المعروفين في قطاع هندسة الاتصالات .. وكانت لديه معركة ساخنة مع المهندس الطيب مصطفى؛ والذي كان وزيراً للدولة بالاتصالات في تلك الأيام ..قدم الرجل كل نقاط خلافه مع خصمه المفترض .. ومما فهمته من نبرات وطريقة عرضه لما بين يديه من وثائق ومستندات أنه يريد أن تخوض ألوان المعركة مع الطيب مصطفى نيابة عنه ..

طيلة فترة حديث الرجل وعرضه لأوراقه ونقاط خلافه كان حسين خوجلي يستمع ويتابع باهتمام دون أن يهتم بتسجيل كلمة واحدة من حديثه، وهو ما أثار استغرابي الأمر الذي دفعني لتقديم رزمة من ورق الـ4 وقلم  للأستاذ .. لكنه فاجأني بقوله : ما محتاج للورق والقلم !!

عندما أكمل الضيف عرضه سأله حسين : كملت كلامك ؟ .. أجاب الرجل أن نعم .. عندها انطلقت كلمات الحسين في وجه الرجل مثل الرصاص .. قال له : شوف يافلان .. أنا سمعت كل كلامك واتهاماتك للطيب مصطفى .. وبعد دة كلو قناعتي إنه الرجل على حق .. وإنت على باطل!! .. هنا هممت بالخروج .. انتهرني الحسين : أقعد ياعبد الماجد عشان تكون شاهد على الكلام ده .. وأضاف .. أقول ليك حاجة يافلان .. لا أنا ولا إنت عندنا سهم في الإنقاذ دي زي ماعند الطيب مصطفى من سهم .. يكفي الرجل إنه قدم ولده وفلذة كبده شهيداً في سبيل مشروع الإنقاذ الكبير .. ولايمكن لرجل قدم ابنه شهيداً أن يتواطأ مع آخرين ليظلمك أو يهضم حقك .. الواضح من روايتك دي في نقطة عايزة توضيح من ناس الاتصالات .. والقضية دي في جزء منها فني، وآخر يتعلق بشبهة فساد محتملة .. وعليه أنا ماعندي وقت أستمع لمعركة في غير معترك .. أنا بكلف أخونا عبدالماجد ده يتابع التحقيق في هذه القضية، ويقابل الطيب مصطفى وبعدها ننشر المواجهة بيناتكم !!

هنا صمت الرجل .. وقال والذهول يملأ وجهه : (خلاص يا أستاذ .. سيب الموضوع) .. رد عليه صاحب الألوان بسرعة : طيب أقول ليك حاجة .. علي الطلاق تمشي تفتح الموضوع ده في أي صحيفة تانية .. أنا أفتح كل صفحات ألوان للطيب مصطفى !!

لم يذهب الرجل لأي صحيفة وأنتهت معركته مع الطيب مصطفى منذ تلك الأمسية الغريبة من أمسيات ألوان ومعاركها غير المنشورة !!

هذه المقدمة الطويلة أعني بها التيار الإسلامي العريض عامة .. وجموع الإسلاميين خاصة .. سقت هذه المقدمة لأذكرهم بأن الطيب مصطفى من الذين ظلوا واضحين وصادقين في قيادة معاركهم وخلافاتهم مع الآخرين .. اختلف الناس معه أو اتفقوا إلا أنهم لا يختلفون على مبدئية الرجل ووضوحه الصارم في كل موقف ..

ومن وضوح الطيب مصطفى معركته مع حكومة الثورة المصنوعة التي اطاحت الانقاذ .. معركة لا علاقة لها بسقوط نظام .. أو زوال حكم رئيس .. كل المشتغلين بكواليس السياسة والصحافة في السودان يعلمون أن والد الشهيد أبوبكر كان على خلاف مبدئي مع حزب المؤتمر الوطني .. خلاف لم يمنعه المشاركة في مواجهة العلمانيين واليساريين ودوائر الاستخبارات العالمية عندما تكون القضية ذات صلة بقضايا الأمة المركزية ..

لا أتوقف كثيراً في دواعي هيجان صلاح مناع؛ والذين معه ضد الطيب مصطفى، والذي طرح عليهم حزمة أسئلة أجابوا عليها بالقبض عليه وحبسه على ذمة التحقيق مع إمكانية ملاحقته بقضايا وبلاغات أخرى .. فنحن في زمان التمكين الجديد لقوى اليسار والعروبيين، ومن شايعهم من أصحاب الولاءات الجديدة !!

ما نقوله هنا لصلاح مناع وود الفكي ووجدي صالح، ومن يقف خلفهم ومعهم .. نقول لهم : نحن مع عدالة القضاء .. وفي ذات الوقت مع حرية التعبير .. والكتابة على الورق .. أو على المنصات الجديدة .. ودونكم معركة ترامب مع تويتر التي لا تزال تتفاعل وستكون خاتمتها هزيمة ساحقة لجنون عظمة ترامب وجهله .. ستخرج عليه أجيال جديدة ستقول له لا .. وهي ذات الأجيال التي ستقول لا للجنة صلاح مناع ومجموعته.

إن كنتم ترون في حديث وتعبير الطيب مصطفى ظلماً لحق بكم .. فدونكم منصات القضاء السوداني؛ الذي لم يظلم أي مواطن سوداني وقف أمامه متظلماً.

وفي ذات الوقت ليت لجنة التمكين الجديد تتيح فرصة التظلم لمئات الذين أساءت إليهم عبر الفضاء وشاشات التلفاز .. حاكمتهم وأشانت سمعتهم على الملأ دون أن يكون لهم الحق في إلقاء القبض على من أساء إليهم، وليس لهم حق التوضيح والرد أمام محكمة الرأي العام !!

طال الزمن أو قصر سيخرج الطيب مصطفى من حبسه ..ولهذا فلن نطيل عبارات الاحتجاج والشجب والادانة أمام حكومة الثورة المصنوعة .. نحن أمام أخطر نموذج مستجد من أنظمة اليسار التي تحكم بلادنا .. نموذج لا يتحمل الرأي الآخر ولا يتورع من استخدام كل أسلحة السلطة التي بين يديه لسحق خصومه واسكات صوتهم ..

كثيرون أولئك الذين يريدون لظل الطيب مصطفى أن يزول .. وكثيرون يريدون لصوته أن يسكت .. ولقلمه أن ينكسر .. ولأولئك وهؤلاء نردد مع الشهيد أبوبكر مصطفى : يا كبرياء الجرح لو متنا .. لحاربت المقابر.
صحيفة مصادر

اترك رد