الخرطوم ، 8 ديسمبر 1951
ترجمة: د. فيصل عبدالرحمن علي طه
الكل بما فيهم المسؤولون البريطانيون بالسودان يقرون بلا تردد بأن القادة السودانيين كأفراد يتمتعون بالقدرة على الحكم الذاتي المستقل، ولكنهم – كما يشير البريطانيون- لا يتمتعون بقدرة جماعية على ذلك الحكم الذاتي المستقل. فالسودانيون – وفقاً للبريطانيين – ما زالوا في أشد حالات الفرقة، والتحاسد، وانعدام الثقة فيما بينهم بحيث لا يمكنهم الإمساك بزمام امورهم. ولذلك يرى البريطانيون ضرورة استمرار وجودهم في السودان لبعض الوقت.
من الناحية التقنية، يدفع البريطانيون بحجج معقولة يؤكدون بها ضرورة استمرار بقائهم وعدم جاهزية السودان للفطام. فهذه البلاد تعاني من ضعف التنمية، وإن كانت تملك مقومات مستقبل مزدهر- في حال توفير المعرفة والدراية التقنية. ويرغب البريطانيون في توفير تلك الدراية التقنية التي يحتجون بها كمبرر آخر لاستمرار وجودهم بالسودان.
وأما العقلاء بين السودانيين، فإنهم يقرون بتلك الفكرة الأساسية، وإن كانوا لا يعترفون لبريطانيا بالفضل. إنهم يعترفون بما يعانونه حالياً من نقص في المهارات التقنية، ولكنهم لا يرون مبرراً يمنع من الاستفادة من الفنيين البريطانيين أو غيرهم من الفنيين الأجانب من خلال عملهم لصالح حكومة سودانية مستقلة.
وفي هذا الصدد، يطرح السودانيون جملة من التساؤلات نورد منهما المثالين التاليين:
وإلى جانب ذلك يقول السودانيون بأنه خلال بضع سنوات سوف تكون لديهم المهارات التقنية المحلية القادرة على الإدارة والتعامل مع تعقيدات زراعة القطن المدعومة حكومياً، وتسويق القطن، فضلاً عن هندسة الري، والصحة العامة، وغيرها من المسائل التي تتطلب العون الأجنبي حالياً.
الإجراءات السريعة
إن التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط في أعقاب الحرب العالمية، وبخاصة ما جرى من إلغاء مصر لاتفاقياتها مع بريطانيا بشأن السودان وقناة السويس، قد دفعت بالسودان بشدة نحو تقرير المصير على نحو أسرع مما توقعه السودانيون أو البريطانيون .
وهناك ثلاث احتمالات عامة بشأن المستقبل السياسي للسودان:
1- الارتباط مع مصر بصورة أو بأخرى، مع احتمال مُظلم للمشاركة في اتحاد أفريقي أكبر حجماً )أو إمبراطورية مصرية(.
2- الارتباط مع بريطانيا، ربما كمستعمرة أو في صورة محمية مغلفة بتمويه ما.
3- الاستقلال الكامل.
لا شك بأن النبض السائد للسودانيين يميل نحو الاستقلال، إلا أن لا يكاد يوجد سبيل للتعبير عن ذلك سلمياً. كما إنه ليست هناك أي رغبة بريطانية أو مصرية تجاه حدوث مثل ذلك التعبير.
ضعف التخطيط
إن ذلك التنامي السريع للأحزاب السياسية بالسودان يتركز في المدن بصورة أساسية. ويبدي السياسيون السودانيون براعة في انتقاد بريطانيا ومصر وفي التصارع فيما بينهم. إلا أنهم ضعاف في جانب التخطيط والتعاون. وأما إجراءاتهم الملموسة فهي بالكاد تزيد عن مجرد إطلاق الأسماء على أنفسهم وصياغة الشعارات. فالأحزاب عندهم تولد بين عشية وضحاها ،كما تتلاشى احياناً بنفس السرعة. وتعَُد الأحزاب أمراً جديداً في البلاد، إذ ظلت بريطانيا تحظرها لمدة نصف قرن.
وأما الجبهة الوطنية، أو “جبهة الكفاح” التي تميل باتجاه المصالح المصرية في السودان فقد تعرضت لانشقاق، ويبدو بأنها مرشحة لمزيد من الانشقاق .وأما الفارق الرئيسي بين الفريقين المنشقين، فيتمثل في أن أحدهما يعترف بتلقي اموال من مصر للنهوض بقضيتهم ،بينما ينكر الطرف الآخر تلقي تلك الأموال.