اخبار السودان اليوم

السودان: صديق رمضان يكتب: البروف شهيد الكورونا

الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل

*حينما كان مديرا لهيئة البحوث الزراعية بمصنع سكر الجنيد اتسم بالعلم الغزير وعفة اليد واللسان والإنحياز للبسطاء من العاملين،يمكن القول أنه كان نموذجا للقائد الملهم بتواضعه وأدبه الجم واحترامه للمواعيد،ورغم انه تلقي دراساته العليا بالولايات المتحدة وحقق نبوغا لافتا جعله مقصدا لكبريات الشركات الأمريكية إلا أنه اختار سكب عصارة خبراته وعلمه في وطنه،فكان أن حقق فدان القصب في مصنع الجنيد أعلي نسبة إنتاج في العالم.
*وبعد سنوات حافلة بالبذل والعطاء تقاعد إلي المعاش تاركا وراءه سيرة عطرة ،ظن الرجل الخبير أنه قدم ضريبتة كاملة للبلاد فذهب للاستمتاع بحياته بعد رحلة عمل طويلة وسط أبنائه وأحفاده،غير أن الحكومة الإنتقالية وحينما بحثت عن مدير لشركة السكر السودانية قبل ثلاث أشهر تقريبا لم تجد أحدا في نزاهة وعلم وخبرة البروفسير أحمد عبيد فكان أن وقع اختيارها عليه بعد أن اتفقت أسرة السكر علي أنه رجل المرحلة لما يتسم به من صفات تؤهله لذلك .
*وبالفعل وخلال فترة محدودة من توليه المهمة الصعبة في التوقيت الأصعب نجح في نفض الغبار عن الشركة الحكومية ووضع يده علي ملفات الفساد وعرف أين تكمن مشاكل مصانع الجنيد،حلفا،سنار وعسلاية ،ورغم الظروف القاهرة التي عمل فيها إلا أنه تمكن من وضع بصماته سريعا لأنه كان جادا ومخلصا ومتجردا ،ولعبت الثقة التي حظي بها من العاملين والدولة دورا كبيرا في تسريع خطي عودة شركة السكر إلي سابق عهدها .
*ورغم شعوره بألم المرارة إلا أنه واصل عمله غير عابئ بكل التحذيرات الصحية فقد كانت لديه رسالة يسعي لأدائها علي الوجه الأكمل،وحينما أمسك المرض بتلابيبه في هذا الشهر الفضيل بدأ رحلة البحث عن العلاج،ولكن شاء حظه العاثر أن يدخل في تجربة مريرة وقاسية ،طرق أبواب كل المستشفيات ولكن وجدها موصدة بسبب مرض الكورونا ،كان يبحث عن جرعة دواء ولكنها تمنعت واستعصت عليه،عاش أبناؤه لحظات صعبة وهم يصطحبون والدهم المنهك بالمرض ويتجولون من مستشفي إلي أخري ولكن دون جدوي .
*وبعد جهد خارق وجد فرصة العلاج في مستشفي خاص وليته لم يجدها لأن الاهمال الذي تعرض له الرجل الذي يحمل درجة بروفسير لم يسبق أن واجهها انسان،كان يقضي الساعات الطوال دون أن يحضر طبيب لمعاينته ،بل حتي الأوكسجين الذي يحتاجه للتنفس كان أبناؤه يعملون علي توفيره بعلاقاتهم الخاصة،وحينما ساورت أحد الاطباء الشكوك بأن الرجل مريض بالكورونا أيضا وجد صعوبة في تشخيصها فلم تجد أسرته غير الاستعانة بجارهم في السكن مدير الشرطة عادل بشائر الذي وقف بجانبهم حتي حضر فريق من الوبائيات وأخذ العينة .
*وفي اليوم التالي وتحت وطأة المرض وفي صباح أحد أيام الشهر الكريم فاضت روح البروفسير أحمد عبيد مدير شركة السكر السودانية الذي ودع الحياة تاركا في قلوب أفراد اسرته حزنا عميقا وداميا،ليس لموته فهم يدركون أن الموت حق ولكن للاهمال الذي تعرض له من جانب الحكومة التي اختارته مديرا لأهم الشركات الحكومية،ففي اللحظة التي كان يأمل بالوقوف بجانبه مثلما وقف كثيرا بجانب وطنه لم يجد أحدا بل حتي المستشفيات الخاصة والحكومية لم تقدر قيمة الرجل الذي ترك أمريكا وراء ظهره وجاء ملبيا نداء وطنه،وللأسف وبعد وفاته بساعات تم احضار النتيجة التي أكدت إصابته بجائحة الكورونا ليزداد أفراد أسرته وجعا لأنهم اتصلوا قبل أيام طوال من وفاته بإدارة الوبائيات ولكن دون جدوي.
*التقيت شهيد الكورنا والاهمال البورفسير احمد عبيد مرة واحدة في حياتي رغم إنني من ابناء مصنع سكر الجنيد وكان ذلك في منزله بكافوري حينما ذهبت لإجراء حوار صحفي مع ابنه الشاب محمد الذي كان أحد أبطال مذبحة فض الإعتصام التي تعرض فيها للإصابة بطلق ناري في فخذه وهو يعمل علي مساعده إخوانه الثوار،كان الرجل هادئا وبشوشا ومتواضعا ،وسبحان الله فقد اتفقت معه علي إجراء حوار صحفي غير أن جائحة كورونا حالت دون ذلك ليرحل عن الدنيا في أيام طيبات ونسأل الله العلي القدير أن يجعل الجنة مثواه وأن يلهم أسرته الصبر وحسن العزاء.

The post السودان: صديق رمضان يكتب: البروف شهيد الكورونا appeared first on الانتباهة أون لاين.

Exit mobile version