اخبار السودان لحظة بلحظة

في ذكرى عملية الذراع الطويل: محمد بحر يروي بالتفاصيل كيف استعدت ودخلت العدل والمساواة أمدرمان، وماهي أسباب الفشل

في ذكرى عملية الذراع الطويل والتي هددت عرش النظام السابق في مايو من عام 2008 يروي محمد بحر محمدين، نائب رئيس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم وقتها لـ (اليوم التالي) تفاصيل العملية وأسباب عدم نجاحها.

(1)
في البداية تذكر بحر معنا قائلا: خرجنا من تشاد إلى الخرطوم، وعقدنا اجتماعا واختلفنا في السيناريو الذي سنسير به، في رأي تبناه سليمان صندل ومعه خليل إبراهيم كانوا يرون أن نخرج مباشرة عبر شمال دارفور، والرأي الآخر يرى أن هذا الطريق به مشكلة، وأنا وأحمد آدم بخيت وعثمان واش، وكان لدينا قوة حقيقية بكردفان، وكنا نرى أن نذهب ونتحرك منها، وفي هذه المسافة نكون خضنا مجموعة من المعارك، ونكون عملنا تمهيداً للمواطن بأننا ذاهبون للخرطوم، ونكون تفادينا الخطأ التكتيكي الذي وقعت فيه قوات 76 والذين عرفوا بالمرتزقة، لأنهم في النهاية فاجأوا الناس. أصحاب الرأي الأول كانوا يرون أننا أقرب للمحاولة الانقلابية، وقلنا لهم لسنا انقلاباُ لأننا لسنا من الجيش، ولا نتوقع أصلاً أن يقف معنا الجيش، إضافة إلى أننا ومعنا عدد كبير من القوى، فسوف نقتحم. لم نصل لاتفاق في منطقة جرس، وفي جبل عيسى عقدنا الاجتماع الثاني، ووصل عدد من قيادتنا منهم عُشَر، ولم نصل أيضا لاتفاق. الاجتماع الثالث لم أحضره وكان 6 مايو 2008، لأن سيارتي ضُربت بصواريخ، ونجوت أنا ومن معي من هذا الحادث، وتم حسم القرار بأننا سنسير عبر الطريق الصحراوي، وقد كان، وكل الأشياء التي تخوفنا منها في الفريق الثاني أصبحت أسباب رئيسية في عدم نجاحنا في الحسم.

(2)
وأضاف: أن المعلومات التي كانت تقول إننا كنا متحركين من دارفور عبر كردفان لم تكن صحيحة، فقد ذهبنا من جرس إلى وادي هور إلى جبل عيسى وإلى وادي الملك إلى أم درمان، ووصلنا في 5 أيام، وتحركنا بحوالي 220 عربة، وحوالي 2500 عسكري، ودخلنا أم درمان يوم السبت، والحكومة اكتشفت ذلك قبلها – من يوم الأربعاء – وأعلنوا ذلك وأبلغوا السفراء الأجانب بأن هناك تحركاً يصل شمال دنقلة ثم الخرطوم، والحركة الشعبية كانت وقتها جزءً من الحكومة، فسألوا هل هذه القوة المتحركة لديها مضادات للطائرات، وكانت الإجابة بنعم، وكل قيادة الحركة الشعبية أخذت طائراتها وذهبت إلى جوبا، وعلى بعد 140 كم من امدرمان، جلسنا كقيادة، وقلنا أنه لا يوجد أحد من الحكومة سيلاقينا في الخارج، القيادة السياسية والعسكرية للحركة اتخذوا قراراً استراتيجيا مهماً جداً، وهو أنه لا يمكن استخدام 7 أنواع من الأسلحة في هذه المعركة، حتى لايقع ضرر على المواطنين، رغم أنه كان هناك ضحايا، لكن ليس بسلاح الحركة، والدليل أن المحكمة عُقدت ولم يستطيعوا تقديم دليل واحد على أننا آذينا مواطناً، أيا كان نوع الأذى في نفسه أو ماله أو في حياته أو في شرفه.

(3)
وتابع: دخلنا أم درمان حوالي الساعة 1,40 من أقصى الشمال، وبعدها كان هناك صوت مدفعية وانفجارات، والمواطنون سمعوا، وهنا وقعنا في خطأ، فوفق حساباتنا من المفترض أن نصل أم درمان يوم الجمعة مابين 12 إلى 2 صباحا، والذي أخرنا هو انقسامنا لمجموعتين في جبل عيسى، وكان الهدف تخفيف أثر الطيران للربط، مجموعة كانت بقيادة خليل إبراهيم ومعه عُشر وصندل وأبوبكر حامد وجمالي، والمجموعة الثانية بقيادة عمنا عبد الكريم وأحمد آدم بخيت وأنا، وكان هناك اثنان من الخبراء، الخبير الأساسي ذهب مع مجموعة خليل والثاني معنا، وكان معنا جهاز تحديد الاتجاه، وعندما جلسنا في جبل عيسى وجدنا أن المسافة 1640 كم، حسبناها على مسارنا، فالمفروض نصل يوم الجمعة 12 ليلاً إلى 2 صباحاً، ذهبنا في المسارين، والمسافة بيننا تباعدت، وعندما وصلنا غرب وادي الملك، ولم تصل المجموعة الأخرى، اتصلنا عليهم، قالوا إنهم تاهوا، مما أدى إلى تاخيرنا 14 ساعة وانتظرناهم، وبعدما وصلوا تحركنا، وأنا لست من أنصار عملية المؤامرة، لكن للتاريخ أقول هذا الأمر، أننا كنا أسرى عند النظام، وكان معنا أسرى من مجموعة خليل، وقالوا لنا إن سبب التأخير، أنهم جلسوا وعملوا ترتيباً داخلياً أخيراً لتوزيع قيادة البلاد فيما بعد، ولم يكن هناك سبب لهذا التأخير، ولكنهم قالوا إنهم تاهوا، ولم يكن مبرراً، فكان هناك جهة اتصال بيننا.

(4)
وما زاد من أخطائنا في القيادة؛ أننا تعاملنا مع من معنا بأن لديهم لياقةً محدودةً، في الخمس أيام كانت وجبة واحدة في اليوم، فالقوة وصلت منهكة جدا، والمسار نفسه لم يكن به ماء أصلاً، كانت المياه من جبل عيسى لوادي الملك مياه من الحُفر للجمال، ولم تكن كافية، ولذلك عندما دخلنا أم درمان في أول دقائق لم يكن للقوة همٌّ سوى البحث عن مياه، عندما دخلنا في الثانية ظهراً كان الموظفون خارجين من عملهم، وهنا حدث ازدحام، مما أخرنا عن نقاط الاستهداف، وعمم عُشر مسؤول الأمن والمخابرات بالحركة، إشارة بأن لا نستخدم اللاسلكي لأنه تداخل مع شبكات الحكومة، وهذا ما أدى لنتائج عكسية، لأنه بعد ذلك بطاريات الهواتف سقطت وفقدنا التواصل ببعضنا البعض، أحد الأسباب أيضاً أن أي عسكري يذهب إلى معركة يكون لديه خطة هجوم وخطة انسحاب، في أم درمان لم يكن لدينا خطة انسحاب، وكانت مقصودة، فالقرار أن نذهب وإذا تيسر أمرنا كان بها، وإذا عجزنا نحافظ على وجودنا فيها حتى نحاصر الحكومة حتى نصل لنتيجة موضوعية، سواء بإمداد أو انحياز الشعب لنا، وبغروب شمس السبت القيادة العسكرية لنا فقدت التواصل والسيطرة، ولم يكن الجنود يعرفون المدينة جيدا، وبعد ذلك كل شخص كان يقدِّر بالنجوم في كيف يعود، وهذا ماحدث أن الناس رجعت بطريقة غير منظمة، وأي شخص التزم بالخطة وقع في الأسر.

(5)
ويواصل بحر: في شارع العرضة وفي كوبري النيل الأبيض وبجوار القاعدة الطبية وفي وادي سيدنا حدث الاشتباك، والحكومة كانت تعلم أننا متحركون ولكنهم كانوا في حالة لخبطة، ولم يستطيعوا التخطيط، وللأمانة في أم درمان المعركة من بدايتها حتى نهايتها دارت معركة واحدة في شارع العرضة بجوار مستشفى التيجاني الماحي، وفي الساعة 11.15 تقدير قتلانا كان 34 شهيداً، وللأمانة العربات التي تم عرضها في ميدان الخليفة في أم درمان على أساس أنها عرباتنا سمعت أن عددها كبير، لكن العربات التي قبضت من الحركة كانت 14 عربة فقط، ولكن الحكومة كانت تدعم المعارضة التشادية فأتوا بهذه العربات التي كانوا يدعمونهم بها وقدموها على أنها عرباتنا، وفي الساعة 5 يوم السبت التقيت خليل في أم درمان بجوار صيدلية محمد سعيد، وكان معه صندل والشهيد جمالي وحسين عجيب، فقال ماذا يحدث الآن؟ فاستشرنا القائد أبو رمات بخبرته فقال: الآن لا توجد أي سيطرة على قواتنا، والرأي عندي أن نجمع القوة ونعيد ترتيبها ونعيد الهجوم مرة أخرى، لأن الحكومة مازالت في مرحلة الصدمة، وهي إلى الصباح لن يكون عندها خطة، يجب جمع القوات وتحضير وجبة طعام ومع الساعات الأولى من الصباح نعاود، واتفقنا أن نجمع باقي القيادات، واقترحنا أن نلتقي غرب مقابر حمد النيل، وجلسنا هناك فعلاً، وضربنا تليفون لعشر، وكانت عربته حُرقت، وكذلك أبوبكر حامد، وكان قريباً من المستشفى الصيني، وبعدها فقدنا الاتصال به، وأتت مدرعة إلى هذا المكان، وقررنا نقل الاجتماع، وعندما نقلناه؛ عمنا عبد الكريم حلوق لم يأتي معنا، وحدث اشتباك في نفس المكان، وأرسلنا من يتأكد ماذا حدث لعمنا حلوق، وقالوا ليس موجوداً هناك، قررنا أن نذهب خارج المدينة، وهذه المجموعة توفاها الله.

 

     صباح موسى

صحيفة اليوم  التالي

اترك رد