اثر انتصار ثورة ديسمبر تنادى الحزب الشيوعي وحلفاؤه لحمله عبثية ضد حزب الامه القومي وبدأت البث وتوزيع الكراهية من منصات الاعتصام ولم تتوقف اثناء وبعد تكوين الحرية والتغيير حتى تبدت للمراقب وكأنها تستأنف حملة الانقاذ على حزب الامه وقيادته. وبغض النظر واذا سلمنا بصحة كل ما يبثه اليسار وأكدنا على ان حزب الامه سبب تخلف السودان ومحرك الحروب واذا وافقنا على جميع التهم الجزافيه التي يبثها الحزب الشيوعي وأمنا عليها بلا استثناء فهل يصح عقلا ان نستنتج بان حزب الامه القومي هو مشكلة البلد ؟وباقصائه سيتحول السودان الى جنه من الديمقراطيه والرخاء والاستقرار والسلام ويعم العدل وتغيب شمس الظلم؟
ان الاجابة على هذا السؤال متروكة للتأمل ولكن تلخصها مضامين حملة الحزب الشيوعي ومن يدورون في فلكه بما فيهم الذين انضموا بروح القطيع من امثال عابر (سبيل).
ودعونا قبل تناول مالات حملة الحزب الشيوعي ننظر في منهج يعين على تحليل بنية تفكير الحزب الشيوعي نفسه. لنفهم الخلفية التي تقوده وتغذي أوار حملته. حتما ستعيننا على فهمه واستيعاب الأدوار التي تقوم بها أحزاب اليتم الفكري التي تدور حول ثغبه الاسود.
واضح ان الحزب الشيوعي منذ انهيار حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي ظل يعاني من خلل فكري وفراغ قيادي يثير الانتباه وخاصة بعد وفاة السيد محمد ابراهيم نقد وبروز الخطيب بتقديراته وخطبه المتواضعة ومعايير تعامل الحزب مع مكونات ثورة ديسمبر ومع حزب الامه القومي بالذات لحد تبني الشيوعي الاوهام وإصداره اكثر من بيان لحدث واحد وإعلانه اكثر من موقف في اليوم نفسه ثم يتبين لاحقا انه كان يطارد اوهام ويعادي اشباح بعاعيته. وافضل الأمثله للدلالة رفض الحزب الشيوعي التوقيع على ميثاق الحرية والتغير في يناير بحجة انه هبوط ناعم اي من طبخ حزب الامه ثم التوقيع بعد سقوط النظام والمزايده على الموقعين والغياب عن اولى جلسه مفاوضات المجلس العسكري والخروج والدخول والمشاركة ثم الاحتجاج فيما بعد على نتائج التفاوض فضلا عن اجترار السيد الخطيب نفسه لقوالب العلف المتخشب بمحدودية وسطحية يحسد عليها اذ ان النظرية الماركسية التي يستند اليها توافق على التكتيك ومسايرة الواقع وهي كنظرية كانت تصف مجتمعا أوربيا كان يعيش ثورة صناعيه وممارسات راسمالية متوحشه ويعاني وضعا طبقيا مغايرا للسودان الذي لم يشهد اي من تطبيقات الراسماليه في نسخها الكلاسيكية وفق شروط صحتها.
وعود على بدء اذا كان هذا هو حال الحزب الشيوعي فهل سيتجاوز السودان ماساته اذا أقصي حزب الامه وتولى الحزب الشيوعي الحكم؟ علما بانه اليوم حزب حاكم بوزرائه في الحكم الانتقالي. ان هذا سؤال الاقصاء افتراضي وخيالي لكنه مهم للنظر في استثمار الحزب الشيوعي للمزاج الثوري ولاي مناخ لينادي على الناقمين للانخراط في حملات الشيوعي الاعلاميه لكي يعيد انتاج جرائمه القديمة. وبتتبع خيوط التدابير الحاليّه ستبدو قديمة وتعود لفترة انقلاب ٢٥مايو على الديمقراطيه الثانيه وارتكاب الحزب الشيوعي وشركائه مجازر ابا وودنوباوي واغتيال الامام الهادي المهدي. وقتها سخر الحزب كافة أبواقه للترويج بان حزب الامه والانصار يقفون في وجه التقدم والاشتراكية وحاول تجريح الدعوة الاسلاميه والشريعه وقلص جامعة ام درمان الاسلاميه لكلية للغة العربيه. مروجا عبر السهام المحملة بالكرونا بان استئصال الرجعيه سيحقق ما يسميه الحزب الشيوعي الثورة الوطنيه ومن ثمارها عرفناها!!
وسواء اخطا الشيوعي يومها التقدير او فشل لاحقا في التعبير عن الإقرار بجرمه وتوبته من الانقلابات فانه في المحصلة سيعمق بهذه الحملات من عدم الثقة وسيباعد الشقه بينه حزب الامه ما لم يتوصل لصيغه للتفاهم السياسي والتعايش.
ومن المؤسف ان التوقعات منخفضة. فقد ظل وعي الشيوعي قاصرا دون ادراك انه لم يعد واردا إقصاء حزب الامه وفق نتائج محاولته في مايو ١٩٦٩م وقد كانت بالسنان وبالجيش والطائرات وفشلت مثلما أخفقت الجبهة الاسلاميه حتى في تطويق الحزب.
واذا كانت هذه الوقائع حقائق ماديه معاشة فما البديل ؟
لكي نصل لاستنتاجات صحيحة نحتاج لحث الحزب الشيوعي للتركيز على مستقبل الديمقراطيه في السودان وتاكيد إيمانه بها ومعالجة الغباين والمرارات التاريخية مع ضحاياه في ابا وودنوباوي وبيت الضيافة فضلا عن الاعتذار للشعب السوداني عن الانقلابات السابقه وان ينظف الحزب قاموسه من مصطلحات ظل الحزب الشيوعي يتعسف في استخدامها كقوالب مستنسخة من الماركسية واللينيه في بيئة السودان المغايرة كما ظل الحزب يحشر الجسم السياسي والأهلي في قوالبه تلك كما في حال تعامله الخاطيء مع الادارة الاهليه وحلها وتسفيه دورها الوظيفي. ان استخدام المصطلحات والقوالب الماركسيه دون تنظيفها من غبار السنين او اهتمام بمفارقات القياس هي المسئولة عن جعل الحزب الشيوعي نفسه محل تندر فعندما يصف احزاب كحزب الامه بانه رجعي وطبقي ومتخلف فان الواقع لا يسعفه بقدرما يجهله. فحزب الامه يقول ان لديه نظريه نهضوية وتحريرية موروثه ويتم تطويرها باستمرار وفي الحقيقه أدبياته تؤكد ذلك مثلما تؤكد وجود رؤيه وروح من التشاركية النافية للطبقية وتمثلها التكيه وبيوت الانصار والاسرة الممتدة وللحزب نماذج اجتماعيه تطبيقيه ناجحه جدا لصهر الأعراق كما في ابا وفي ود نوباوي وبعض مدن السودان الاخرى التي تجاوزت الانتماءات الاولية والقبلية وللانصار ايضا ممارسات دينية ملهمه في سلميتها مع محافظتها على الروح الثورية وعلى الشرعيه الشعبية ولها وسائل ناجحة في تحريك مفاهيم المحبه في الله ولديها نهج تربوي وأخلاقي وسلوكي من مظاهره نظافة يد الفرد وعدم الاعتداء على المال العام والزهد والتواضع والفضائل المرغوبة شعبيا وإنسانيا ويمكن ايراد امثله ونماذج من القادة النظفين (ود المهدي وبكري عديل ، عمر نور الدائم ، الحاج نقد الله وتيراب تندل)كما ان بالحزب من المثقفين والكتاب الكوادر ما تنفي صفة (التخلف ) الذي ينطبق على خطاب (الشيخ) الخطيب المتداول خلال وعبر ثورة ديسمبر.
ان عدم غربلة الحزب الشيوعي المصطلحات التي يستخدمها اوقعه في مفارقات لغوية، ما جعل (بيته من زجاج ويرمي الآخرين بالحجارة ) لا عجب ان ارتدت اليه تهمه بانه ليس تقدميا ولا اشتراكيا وليس ديمقراطيا وانه حزب انقلابي ودموي والقيادة في هياكله الوسيطه فضلا عن العليا تتبدل بالموت كما في حال عبد الخالق ونقد والتمييز العنصري في الحزب الشيوعي فاشي كما في عبارات رئيسه لا لقهر النساء السيده فقيري ولن احتاج لاستعادة شعارات مظاهراتهم في نهاية مارس ١٩٧٠م (بيد العبيد ياعقيد)
يقول محمد عابد الجابري بان وعدم تعريف المصطلحات المتداوله وتنظيفها يوقع الناس في خطأ مركب و التوهم بان ما ينطبق على وصف مجتمع ما ينطبق على مجتمع اخر وهو ما يجعل الشيوعي يتوهم بان المجتمع السوداني هو مجتمع أوربا في القرن التاسع عشر بينما المجتمع السوداني لم يكن صناعيا وليس رأسماليا ولا طبقيا.
وحين يعاني الحزب الشيوعي ما يعانيه الفاشل من الاحباط فان السبب أيدولوجي وتحديدا استخدام المصطلحات والقوالب الجاهزة . والحل فيما أشرت وليس بالتماس أساليب تشخصن القضايا الجادة او بممارسة البلطجه الاعلاميه والسب والتزوير وفبركة الاقوال كما في الترويج لعبارات لم يقلها رئيس حزب الامه ونزعت من سياقها وزورت لتضليل الراي العام. وهذه ممارسة لا تليق بحزب محترم يدعي رفض أساليب الانقاذ ثم يستنسخها ضد الاحزاب التاريخية. مع العلم بان حصاد حرب الانقاذ على حزب الامه بالذات غير فشلها في تطويقه ولدت ظاهرتين سلبيتين الاولى نكوص الانتماءات الوطنيه ببلادنا الى ما دون القبيلة والثاني كبح مسيرة التطوير وإصلاح الاحزاب وبدلا من تلافي اثار الظواهر السلبيه للانقاذ يطل الشيوعي يوميا لتأجيج الاغتيال السياسي والأدبي وتمني الموت لمنافسيهم.
فاذا كان استئصال حزب الامه غير وارد وغير مفيد فان الخيار المتبقي امام شانئيه توظيف الوعي والحكمه للعبور ببلادنا الى مستقبل طال انتظاره.