اخبار السودان لحظة بلحظة

والي كسلا والامتحان الصعب

سيف آدم هارون

*الجلوس على منصب الوالي في دولة مثل السودان هو أقرب إلى الامساك بقطعة من النار، بل يعتبر مثل الجلوس على سطح الصفيح الساخن من واقع المسؤوليات الجسيمة والتقاطعات الكثيرة والتحديات العميقة في ولايات تفتقد الى أبسط المقومات.

*ليس ذلك وحسب فالوالي لايركز جهده على توفير الأمن والخدمات، وإنما يجد نفسه في معظم ولايات البلاد داخل دوامة الصراعات القبلية والتنافر الإثني الذي كثيراً ما أفرز “اقتتال” يزهق الأنفس، ويبدد الأمن، وهذه مسؤولية أخرى تعد شائكة ومرهقة لأجهزة الدولة.

*وبخلاف ذلك فإن الوالي يجابه تحديات أخرى؛ منها التصنيف الجهوي الذي يعد الأسباب المباشرة التي أقعدت بالبلاد، فالوالي مهما بذل من جهود ليظل واقفاً في المنتصف بين المكونات الاجتماعية فإنه سيظل في قفص اتهام الانحياز إلى أحد المكونات والعمل على خدمة أجندته.

*ولاية كسلا ليست استثناء عن ولايات البلاد الأخرى التي تشكو مر الشكوى من انعدام أبسط المقومات، وهذا يعود إلى عدم اهتمام النظام البائد بتوفير احتياجات المواطن، لذا فإن والي كسلا المُكلف اللواء محمود بابكر  همد وخلال عام قضاه مسؤولاً عن هذه الولاية، فقد واجه الكثير من الأعاصير العاتية التي تعامل معها في أحياناً بالحكمة والصبر، ورغم ذلك ظل يبذل  قصارى جهده في تطويع المستحيل لإنعاش ولاية شحيحة الموارد، بل تعدى ذلك بكثير من خلال تقسم الأدوار وتوزيع الجهد في مواصلة مشاريع التنمية والعمل للتصدي لجائحة كورونا، وديمومة العمل على تعزيز  التعايش السلمي والوقوف على مسافة واحدة بين المكونات كافة.

*وتجسدت هذه الحقيقة في أوضح صورها خلال الاقتتال القبلي الأخير بين الأخوة النوبة والبني عامر، فقد وجد الوالي نفسه في موقف لايحسد عليه، حينما اتهمه نشطاء ينحصر جل تركيزهم في تجريمه حتى ولو لم يرتكب جريمة بالانحياز إلى اثنيته، والعمل على دعمها في الاقتتال.

*لكن الحقائق المجردة التي سيسألنا الله عنها يوم لاينفع مال أو بنون تؤكد إنه ورغم وفاة عدد من أقربائه في هذه الأحداث تحلي بالمسؤولية، ولم يبحث عن انتصار لذاته أو لعشيرته، وكان رجل دولة بكل ماتحمل الكلمة من معانٍ، انحصر جهده في إيقاف دماء المسلمين من النوبة والبني عامر.

*كان يلتقي بقلب مفتوح وفود من القبيلتين، ويذهب لأداء واجب العزاء في فقداء النوبة والبني عامر، ورغم الامتحان الصعب الذي دخل فيه إلا انه وللأمانة، وكما يؤكد مقربون منه لاتربطهم به صلة رحم أو انتماء لقبيلة واحدة تعامل بتجرد وصدق من أجل أن يضع حداً للحرب العبثية، وتمكن في ثلاثة أيام من إعادة الأمن إلى كسلا الجميلة.

*نعم لدينا تحفظات على أداء الرجل وجهرنا به كثيراً، لكن موقفه الإنساني في الأزمة الأخيرة وظهوره بمظهر رجل الدولة الذي لايعرف التمييز والانحياز أثبت انه والٍ على درجة عالية من الوعي والادراك واجبرنا على تسطير هذه الكلمات في حقه، لأنه استحقها من واقع ادائه المسؤول الذي يتسق مع مبادئ وأهداف ثورة ديسمبر المجيدة.

*ونتمنى ونحن على بعد خطوة من عيد الفطر المبارك أن تودع بلادنا محطة الاقتتال القبلي، وأن تسود فيها المحبة والإلفة والسلام، وأن نتجه جميعاً نحو إعمار هذا الوطن الذي اجحفنا عليه كثيراً بصراعاتنا وتباعدنا وإثارة الكراهية بيننا.
صحيفة مصادر

اترك رد